هناك من يقول اليوم ان اي دور لايران في مكافحة داعش، يمكن ان يمنح المتطرفين"السنة"مبررا ليحشدوا اتباعا جددا على اساس مواجهة مع الصفويين. وهناك من يرد قائلاً ان دخول الغربيين على الخط سيتيح للمتشددين ايضا ان يتطرفوا اكثر تحت شعار"محاربة غزو صليبي". وهكذا فلا نهاية لشكوكنا بما سيحصل، وفي الوقت نفسه فلا يجب ان ننسى ان لدى الغربيين شكوكهم الخاصة، بما ننوي ان نفعل، كعراقيين، او كطوائف منقسمة في اكثر من ملف اقليمي، نووي او سوري او نفطي او مذهبي.
ان التأخر في التعامل مع الوان الارتياب المتبادل، مع اطراف الداخل والخارج، سيعني ان نبقى نحشر شبابنا (من كل الطوائف)، في الضلوعية وجرف الصخر وآمرلي وحديثة وغيرها، في استنزاف قد يطول عشر سنين، وسترافقه نكسات سياسية مؤكدة وانقسامات طائفية حادة تجد الف من يطبل لحرائقها وويلاتها. ولذلك لم يبق لدينا وقت للاستمرار بالشك.
اما القضاء على الشكوك، فيتم بدبلوماسية نشطة وذكية، ودرجة عالية من الوضوح، وان نذهب نحو الناس حتى لو ترددوا في المجيء الينا. شرط ان ننتبه الى ان احد ابرز اسباب ارتيابنا بالعالم المتقدم، هو العزلة التي فرضت علينا او فرضناها على انفسنا. وهذه نفسها اسباب لارتياب العالم المتقدم بنا، فلا نحن نعرفهم حقا ولا هم يعرفوننا في لقاء طبيعي. لكنهم ونحن ايضا، نعلم انه لا يوجد كهف نختبئ فيه، كي نمعن في العزلة ونضع حدا لوساوسنا ووساوسهم.
ومع تصاعد الازمات، ندرك اليوم ان قيام صدام حسين بعزلنا لعقود عن العالم، كان خطيئة سياسية رهيبة لم تمنحنا هامش المناورة العادي لبناء علاقة صحيحة بالدنيا. والثأر من حقبة الخطايا البعثية في وجه من وجوهه، هو مبادرتنا لكسر العزلة بنحو جاد، والتجوال في هذا العالم الفسيح، والتواصل مع الناس، ومراكز القوى، والاشرار والاخيار، لا بهدف بناء ثقة عمياء منبهرة بالغربيين، بل من اجل ان نعيد شكوكنا الى حجمها الطبيعي المتعقل، ومن اجل ان يلمس العالم فينا طرفاً يمكن ان يتحول الى شريك مسؤول يستحق التعاون، في مصالح دولية واقليمية كبرى.
النائب مثال الالوسي قال كلمة مهمة في تصريح للصحافة، بموازاة مؤتمر باريس: ان مقياس نجاح حكومة حيدر العبادي، سيكون قدرتها على استثمار امثل لكل هذا المناخ الدولي. وهذا كلام مؤثر ومهم، احسب ان الدكتور ابراهيم الجعفري وزير الخارجية، نفسه، استوعب جزءا منه، ولذلك ظهر في حالة نادرة خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي، وهو يحسب كلماته حسابا موزونا، بلا اي اثر للحذلقات.
المصورون الاجانب حرصوا على التقاط مشهد يظهر فيه وزير خارجية السعودية سعود الفيصل، وهو يتوسط رئيسنا معصوم، ووزيرنا الجعفري، في باريس. ولماذا لا يتكرر هذا المشهد كل شهر خلال الظروف الحرجة. ومن قال ان الاختلاف وتناقض المصالح يعني القطيعة؟ وهل هناك اشرس من صدامات السوفيت مع الاميركان، والتي لم تكن تمنع تواصلا على اعلى المستويات، خفف كوارث محتملة؟
نعلم ان صور اللقاءات لا تعني سلاما مستقرا وحلا شاملا للنزاعات. لكن اللقاء بمن نشك به، يعيد الشكوك الى حجمها الطبيعي، كي نتعامل معها بحجمها دونما ثقة عمياء ولا مبالغة حماسية.
ولكي لا نبقى محشورين مع داعش عشر سنين، وهي سنوات قد تحولنا الى مجرمين مثل داعش احيانا، حين يستدرجنا الظلم الى ظلم، فان علينا ان نهزم حقبة البعث الاستبدادية التي عزلتنا بأطواق من الشك بكل الدنيا. وهزيمة تاريخ العزلة، تكون بالذهاب الى كل الدنيا، بنضجنا وعراقيتنا وحجم الالام التي تكبدها اهلنا، كي نعيد الارتياب الى حجمه الطبيعي. وللريبة حجم طبيعي بكل الاحوال .