الصحافة المصرية كسرت قرار حكومة الإخوان بفرض رؤساء تحرير صحف موالين للسلطة، وتمكنت من حشد قوى المجتمع المدني ضد إقامة دولة المرشد.
في تلك الأيام كتب الإعلامي المصري المعروف حمدي قنديل على صفحته في "الفيسبوك"تدوينة تقول"يجب أن يصل لرجل الشارع أن الصحف تحتجب من أجل حريته وحقه في المعرفة، واعتراضاً على نصوص الدستور المقوِّضة لحرية التعبير والرأي التي انتزعها الشعب في غضون ثورته على نظام مبارك فعلية ألا ينخدع ويتنازل عنها بسهوله".
في العراق الجديد نجد ان تدخّل الحكومة وحزبها النافذ "الدعوة" في كل صغيرة وكبيرة.. أصبح كأنه قدر مكتوب، والرضا بالمكتوب صفة من صفات العراقي الصبور.. رضينا بالكثير ولا داعٍ لزيادة اللف والدوران في هذا الموضوع حتى لا نصبح مثل (النادبات على القبور).. ولكن في المقابل عندما يصر حزب سياسي على ان تصبح شبكة الإعلام تابعة له حصرا ، فإن الأمر يصبح نكتة وتتحول توجيهات أعضاء الحزب الى فرمان سلطاني أولى فقراته هي وجوب ان تقف شبكة الإعلام العراقي الى جانب الحزب وقيادييه.
عندما قررت حكومة إياد علاوي إلغاء وزارة الإعلام، استبشر العاملون في هذا المجال خيراً من أن ساعة فطام العراقيين قد حانت، وان إطلالة"القائد الملهم"ستختفي من شاشة التلفاز، لتظهر بديلاً عنها صورة لحكام من البشر لا من أنصاف الآلهة، وكان الإجراء في حينها خطوة أساسية على طريق الديمقراطية والإعلام المستقل واحترام حرية التعبير وإحياء تقاليد الإعلام الحـُـر الذي وأدته عقود طوال من تكميم الأفواه، لكن يبدو أن البعض لم يستطع صبراً وقرر إعادة وزارة الإعلام إلى الخدمة وبثوب جديد أُطلق عليه اسم شبكة الإعلام العراقي، ولكي يمرروا هذه الخطوة أشاعوا بأن هذه الشبكة ليست مملوكة للحكومة وهي من الهيئات المستقلة المرتبطة بمجلس النواب، ومهمتها التثقيف وتقديم المعلومات عن مجموعة عريضة من القضايا المتنوعة والتطورات والأحداث والظواهر التي تهمّ معظم شرائح المجتمع العراقي. لكن الشبكة ومنذ تأسيسها ظلت أسيرة لتوجهات الحكومة أيّاً كانت نوعية هذه الحكومة، حتى أصبح الكثيرون يشيرون للشبكة على اعتبارها هيئة ناطقة باسم مجلس الوزراء. بالتأكيد أنا أتفهم حجم الضغوط التي يتعرض لها أعضاء هيئة الأمناء، ولكن الذي لا أفهمه أن يحاول البعض منهم القفز على الوقائع من خلال تأييده لقرارات لاتمت الى مهنة الإعلام بصفة.
لقد مرت سنوات على تعيين السادة أُمناء هيئة الإعلام الذين بشرونا انهم جاؤوا من أجل إصلاح الآلة الإعلامية ووضعها على الطريق الصحيح كي تصبح جاهزة للانطلاق والمنافسة بعيدا عن صراع السياسيين، غير أن الأيام أثبتت أن الإعلام يمر بحالة نكوص شديدة يرتد فيها إلى مرحلة الطفولة المبكرة جدا، وان الحكومة مصرّة على أن تمارس معنا لعبة الشطرنج الشهيرة وتحرك القطع كما تشاء!
ما حدث مؤخراً في شبكة الإعلام وجريدة الصباح من فرض سلطة الأمر الواقع وتعيين أشخاص محسوبين على حزب الدعوة في مناصب تنفيذية، يعد أنموذجاً صارخاً لعشوائية القرار في العراق، لأن معظم القرارات والإجراءات التي تقوم بها الحكومة وتابعوها ومقربوها في مجال الإعلام تأتي ضد ما ينتظره الصحفيون، أو للدقة فإنها تأتي استجابة لمصالح حزبية ضيقة.