لم يكتف وزير النفط والسياسي البارز عادل عبد المهدي بابرامه اتفاقا اوليا حول النفط في اربيل، يضع حدا لجمود استمر سنوات. بل نظم السبت ورشة عمل في وزارته للمحافظات المنتجة للبترول ومشتقاته، ليناقش معه كيفية تطبيق اللامركزية واشراكهم في ادارة المنشآت النفطية والاموال وسياسات الاستثمار والتصدير. ولا استغرب هذا اليوم، فقبل ان يزور اربيل، ذهب عبدالمهدي الى البصرة، ليحاور حكومتها المحلية المنتخبة حول رغبة البصريين بان يشاركوا في القرار النفطي، وحول طلب تقدمت به البصرة واربيل طوال اعوام وتجاهله حسين الشهرستاني، حول اعادة تشكيل مجلس ادارة سومو (شركة تصدير النفط) ليمثل طبقا للدستور، المحافظات المنتجة.
المجيء برجل مثل عبدالمهدي يمكن ان يقوم بتسريع الامور ويصوغ تقاليد عمل جديدة. وعبد المهدي بموهبة بناء الضمانات التي يمتلكها ومهارات التفاوض التي تقنع الطرف الاخر بان المناخ ايجابي ويستحق صوغ التنازلات المتبادلة وصناعة القرارات الكبيرة، يقدم لنا نموذجا ممكنا للتقدم الداعي للتفاؤل. ولسنا نمتدحه هنا، بل نقوم بتحميله مسؤولية اكبر، لانه مستوعب وقارئ جيد للتاريخ السياسي والثقافي، ومنتقد كبير لسياسات المالكي، ومؤمن بالنظام الحديث في الادارة، ونتوقع منه اخطاء اقل، وسنحاسبه بنحو اقسى حين يقصر.
ان حيدر العبادي في هذه اللحظة يتقبل قواعداللعبة الجديدة بنحو يستحق الثناء ايضا. وحتى الان وفي كثير من الملفات، فهو لا يتصرف كممثل لحزب الدعوة، بل كعضو في التحالف الوطني، الذي اصر على تطبيق الاصلاحات. وبعد تغييرات العسكر التي شملت عشرات الضباط، ننتظر اجراءا مماثلا للهيئات المستقلة المهمة للغاية ولوضع شبكة الاعلام بالتاكيد، فهذه سيئة من سيئات العهدالماضي، تحتاج اعادة للمسار الدستوري الذي انحرفت عنه.
وننتظر كذلك اصلاحا لازما لشؤون القضاء، وتوضيحا بشان قانون مجلس القضاء الاعلى الذي اقره النواب بشجاعة العام الماضي، وفصلوا بموجبه بين الرئاستين، رئاسة مجلس القضاء ورئاسة المحكمة الاتحادية، لكن المحمود نقضه باشارة من المالكي، واستعاد احتكاره للرئاستين، في خلل جدي وفاضح وواضح. والقضاء المطعون باحكامه لن يمكنه بناء شرعية للعدالة وسيخرب اي اتفاقات سياسية هدفها التصالح الاجتماعي.
لكن الجيش والنفط يمثلان اساسا حيويا في التغيير، فحين نصحح الملف الامني، سنتحول الى شريك محترم ومسؤول في امن المنطقة وامن العالم. وبالضرورة سنحسن ترميم الثقة حين نضع ابناء الرمادي والموصل في المناصب العسكرية التي تحتاجها ايما حاجة، هذه المدن المرتابة من كل شيء حولها، والتي تجد نفسها متهمة ومحتلة ومقصوفة ومحاطة بمستقبل غامض.
اما النفط فهو اعادة تعريف للسلطة، ولمعنى الثروة، ولمعنى الادارة الحديثة، وحين نتقبل نمطا معاصرا من الادارة فاننا سنعيد وضع بلادنا على خارطة التجارة الدولية بعد ان اخرجتنا منها حماقات العهود السابقة.
لا احد سيحترم العراق بسهولة بعد فضائح استمرت نصف قرن، واظهرتنا بمظهر فاقد البوصلة المندفع واللامسؤول، سوى ان نكون شجعانا في المراجعة السياسية ونحن ننزف داخل خندق الحرب مع داعش. ولنفهم ان الحرب مع اخطائنا وعنادنا وتخلفنا السياسي، هي اشجع واهم من حرب داعش. جنود"الخليفة"لم يصبحوا شجعانا علينا الا حين كان رأس السلطة رافضا لنصيحة العقلاء. و"الخليفة"يصاب بالرعب حين يشاهد تقدم شبابنا من كل الطوائف في بيجي وجرف الصخر، لكنه سيصاب بترويع حقيقي حين يجد العبادي وعبدالمهدي والصدر قادرين على ادارة حوار مع اربيل والبصرة ونينوى، تسوده ارادة الاصلاح والتحديث وبناء عدالة جديدة. انني قادر على تذوق بعض التفاؤل الاضافي الان.