ومواطنو الرعاية قسمان.. مواطنو "الزمانة"، اي من تعطل نشاطه لسبب مزمن، وهو تعبير مستخدم في امهات كتبنا، وما زالوا يستخدمونه في المغرب ويقولون "معاش الزمانة".. ومواطنو العطل المؤقت كالبطالة والمرضى والفقراء والايتام والارامل والعوانس ومن لا معيل له الذين يجب دعمهم ليعودوا لوضع طبيعي او شبهه.
لم نتقدم فيما يخص "الزمانة".. ومع عدم صيانة وتطوير المؤسسات الموجودة فعلاً -على قلتها- كدور العجزة.. والمتقاعدين.. والايتام.. ومن لا معيل له.. وذوي الحاجات الخاصة والتشوهات والامراض التخلقية او البيئية والاجتماعية.. ومع ازدياد معدلات "الزمانة" لكثرة الامراض والاصابات والحروب، فاننا نشهد فجوة حقيقية تزداد اتساعاً.. مما يترك اعداداً كبيرة تحت رحمة المجهول والاستغلال والفساد والتزوير.
اما العطل المؤقت فعامله الاول تراجع نشاطات المجتمع.. لتتحول الدولة الريعية النفطية الى مصدر الرزق شبه المطلق عبر التوظف.. وبالتدريج تراجعت الخبرة والاختبار وصارت الوظيفة تعتمد الشهادة والقدم. فصار الحصول على الوظيفة امنية عظيمة.. اولاً لضيق مجالات العمل خارج الدولة.. ثم لامتياز الموقع وما يوفره من رواتب وفوائد الايفاد والمنح والتقاعد والامتيازات الاعتبارية والسلطوية كالبطاقات والجوازات والمكاتب، وفي احيان كثيرة المادية بسبب تفشي الفساد.. ومع تكدس الدولة بالموظفين تراجعت وتائر العمل لتصل الى اقل من ٢٠ دقيقة لليوم. فصارت الوظيفة هدفاً لاغلبية يهمها التوظف للاغراض اعلاه، دون كفاءة جدية في العمل او رغبة له. وهو ما افرز امرين على الاقل. اولاً سوء الخدمات وازدياد حالات الفساد.. وثانياً هبوط الطموحات الاجتماعية لتصبح الوظيفة هدفاً اسمى. وتشكلت الضغوط لتجعل المدرسة والجامعة وسيلة لمنح الشهادة اكثر منها وسيلة للعلم والمعرفة والخبرة. فهبط التعليم والكفاءة. فالهدف بات الشهادة والورقة كجواز مرور للوظيفة. ومن لم يسعفه الحظ فالتزوير وسيلته. وبدل ان تبقى الدولة مفتوحة لعموم المواطنين، جاءت هذه الظاهرة لتزيد فساد الحياة السياسية والاجتماعية. فالانقلابات السابقة تصارعت للاستيلاء على دست الحكم وقمم الدولة.. واليوم وبعد ان اصبحت الوظيفة الرزق الاكبر انتقل صراع الاحزاب والجماعات والمافيات الى وظائف الدولة كلها من اعلاها الى ادناها.. لنحاصص بعضنا، او لنطرد بعضنا بعضاً.. كما تطرد الكواسر غيرها لتنفرد بمجالات عيشها الحيوية ولو على حساب الوطن والمواطن والدولة برمتها."
عادل عبد المهدي