ولا يختلف اثنان في بلادنا على أن ثمة صحوة يعيشها جمهور الأمة من شعوب العالم الإسلامي كافة تدفعهم بقوة للنزول إلى الشارع بقوة ولعب دور الفاعل الأساسي في التغيير للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.
كما لا يمكن أن يختلف اثنان بأن هذه المطالب إنما هي مطالب مشروعة وعادلة ومحقة ولا يمكن لأي حاكم كان أن يستمر في البقاء ما لم يقر بشرعيتها ويذعن لها.
وإن السبب الأساسي لهذه الصحوة هو الإدراك المكثف من قبل جمهور هذه الأمة لعملية تراكم التمييز العنصري الخارجي الذي مارسه ما يسمى بالمجتمع الدولي ضدنا حتى سرق منا فلسطين والقهر الداخلي الذي مارسته سلطات غبية حمقاء تابعة للأجنبي وصلت إلى السلطة بفعل توازنات المعادلة الخارجية أكثر مما هي انبثاق لصيرورة داخلية محلية ما جعلها في قلق دائم بحثا عن مشروعية جماهيرية مشكوك فيها على الدوام.
أيا تكن الصورة المتبلورة لدينا كإعلاميين عما يجري من حراك لا يهدأ في بلادنا إلا أن القدر المتيقن منه بأن الناس خرجت من القمقم ولن تعود إليه وأن العصر بات عصر الشعوب بعد أن لقن الناس أنفسهم أنهم قادرون أن يفعلوا شيئا وفعلوه بالفعل بعدما كسروا حاجز الخوف وتيقنوا أن باستطاعتهم فعل المزيد.
لكن المتفقين أعلاه من محللين وإعلاميين وباحثين سرعان ما يختلفون وقد اختلفوا بالفعل نظريا وميدانيا على كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة الصحية المستجدة في بلادنا وأول ما اختلفوا عليه ربما كانت التسمية فمنهم من سماها بالربيع العربي ومنهم من سماها بالثورة العربية الكبرى ومنهم من سماها بالصحوة الإسلامية.
وقد ترتب على هذا الاختلاف فيما ترتب ظهور ما سمي بثورة الفيس بوك وأهميتها في إدارة الصراع حتى تحقيق وانجاز مهمات الثورة مقابل ما نسميه نحن مجازا بثورة الناس بوك التي تحاول التمييز بين الاستفادة من وسائل وأدوات العصر المتطورة وبين التمسك بحركة الناس على الأرض وقطعها مع كل وسائل الاستقواء بالأجنبي مهما بدت ملحة أو جذابة في الظاهر.
لكن الاختلاف الثاني الأهم الذي ظهر هو كيفية الجمع إن أمكن وعدم التضاد ما أمكن بين مطالب الناس المشروعة ودفع قوة فعل العامل الخارجي المفروضة علينا كعرب ومسلمين بفعل معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية واختلال موازين القوى والتي أفرزت فيما أفرزت الكيان الصهيوني الغاصب.
ومن يومها ثمة من يقول بأن لا تحرير لفلسطين من دون إسقاط الأنظمة الرجعية التابعة للأجنبي أولا وقد جاءت الصحوة الأخيرة بنظره لتؤكد مقولته هذه.
وثمة من يقول بأن التحرر من سلطة الاستبداد والقمع الداخليين لا يتم إلا بعد تحرير فلسطين وقد جاءت عثرات الصحوة برأيه لتؤكد مقولته هذه.
لكن ثمة رأي ثالث كان ولا يزال يقول بأن التحرر الناجز من سلطات القمع المحلية لن يتحقق ما لم يربط بإحكام بمسيرة تحرير فلسطين, وأن مسيرة تحرير فلسطين هي الأخرى لا يمكن أن تزداد قوة وثباتا إلا مع مزيد من النضال ضد القمع والقهر والتمييز المحلي.
والبرهان على صحة الرأي الثالث بسيط جدا, إذ يكفي أن تنظروا إلى مسارات كل حراك شعبي محلي في كل قطر على حدة , فكلما كانت حركة الجماهير متوازية بين رفض الاستبداد ومقاومة التدخل الأجنبي كلما حقق ذلك الحراك انجازات أكبر وكانت خسائر الجماهير أقل.
وكلما وضعت المهمتان بشكل متضاد كلما كان الحراك يتجه نحو حرب استنزاف مدمرة أو تعثر كبير يعيد عقارب ساعة الصحوة إلى الوراء أي إدخال فلول النظام المتهاوية وأسيادها من الشباك بعد أن أخرجت من الباب.
إن الثورة يا إخوان لا تعيش في "حيز مختبري" تحت سيطرة الثائرين وكل عمل سياسي أصلا يمر بنفس الظروف, ولما كان العامل الأجنبي المساند لأجهزة القمع الحاكمة بالأساس والمعادي للثورات الشعبية من الأساس موجود في صلب معادلة صناعة حكام المنطقة, فإنه سيظل اللاعب الأقوى في أي معادلة تغيير داخلية حتى لو بدأها الناس لوحدهم ما لم ينتبه الناس ويتيقظوا ويحذروا ويمارسوا فعل الصحوة مقابل مخططات الأجنبي الساعية للاختراق أولا ومن ثم الانحراف بها ثانيا وأخيرا المصادرة للثورة أو صناعة الشبيه لها والإبحار بها بعيدا عن أهدافها الحقيقية.
أليس هذا هو ما يحاولونه ابتداء من تونس وانتهاء بسوريا؟.
من هنا يتوجب علينا نحن الإعلاميين أن نسمي الأشياء بأسمائها وأن لا نتردد ولا نجامل في القول بأن تونس ومصر فاجأت الغرب المستعمر لاسيما الأمريكي منه ما اضطره إلى تشكيل إدارات أزمة تتعثر يوما بعد يوم ثم دخل في حرب استنزاف في ليبيا واليمن ثم محاولة وأد وخنق في البحرين إلى أن قرر هجومه المضاد على الثورة العربية كلها انطلاقا من خصوصية سوريا الشعب والدولة محاولا عسكرة الفضاءات العربية كلها في مقدمة لإفشال مسار الصحوة بأكملها.
لكن ما هو أخطر اليوم هو أن ثمة قوى محلية طامحة وطامعة قررت أن تساند هذا الغرب الموهوم بالنصر المزيف على أمل تقاسم النفوذ معه وفي ذهنها مشروع خطير عنوانه " أمركة الصحوة العربية وعلمنة الإسلام " في محاولة لدغدغة مشاعر بعض تيارات الحراك الشعبي العربي وركوب بعض أحصنة رجالات "ديمقراطية البرشوت" .
إلى مثل هؤلاء نقول: مخطئ أشد الخطأ ذلك الذي يظن هنا أن بإمكانه إنقاذ حليفه الغربي من حبل المشنقة الذي ينتظره من خلال التذاكي على الناس ذلك لأن الصاحي على أذان الثورة باسم الله والجمعة والجامع لا تسكره جرعة "إسلام أمريكي" ملوثة بشرعنة كيان غاصب حتى لو خلطها ب"مياه زمزمية ". وحتى نكون أكثر وعيا وأكثر مسؤولية تجاه ما يحصل في إطار الهجوم العام المضاد الذي يقوده محور واشنطن ـ تل أبيب ضد صحوة الشعوب العربية المسلمة لابد من التوقف عند بعض المقولات التي يتم ترويجها بديلا عن الصحوة اليوم لتمرير المخطط المضاد:
أولا: الربيع العربي وهو اصطلاح استشراقي غربي المقصود منه بأن ما يجري في البلاد العربية إنما هو امتداد لما جرى في أوروبا الشرقية وبعض دول الاتحاد السوفيتي سابقا وهو آيل لثورة ملونة برعاية غربية وبالتالي فهو لا علاقة له بهوية هذه الأمة وحضارتها ودينها وقيمها وتاليا فإنه ينبغي منع تحوله إلى صحوة إسلامية حقيقية بأي ثمن كان.
ثانيا: إن ما يجري في البلاد العربية هو احتجاجات جماهيرية منظمة ضد أنظمة رجعية متخلفة ربطت تاريخها بقضايا نمطية جامدة ويعود تاريخها لماض وصراع كان ينبغي أن ينتهي ويسدل الستار عليه مبكرا ويجب الآن أن ينتهي بتصفية قضية فلسطين عن طريق ما يسمى " بعملية الصلح والسلام بين العرب وإسرائيل " حيث عندها ستستقر المنطقة وتتحقق أهداف الثورة الجماهيرية العربية التقدمية وتتفتح ورود الربيع العربي الواعد ..
ثالثا: إن هذه التحركات لا قيادة ولا مرجعية معينة لها ـ وهو أمر وإن كان صحيحا في الظاهر ـ لكن ما تريد قوى الثورة المضادة أن تجرنا إليه هو خطف وسرقة قطار الثورة وتسليم قيادته إلى أحجار من الشطرنج منها ما هو معد سلفا في الغرب بانتظار هذه اللحظة ومنه ما يتم الإعداد له على قدم وساق لتسليمه قيادة التحركات الاحتجاجية الحالية بما يؤول أو يفضي إلى الالتحاق بالمعادلة الدولية الظالمة التي اسمها زورا وبهتانا المجتمع الدولي فيما المقصود منه هو عصابة القرار الغربي الاستعماري بقيادة محور واشنطن - تل أبيب.
لذا وجب التنبه والحيطة والحذر وضرورة فضح هذه الأحابيل ومخطط الخداع والزيف هذا والتصدي له في وسائل إعلامنا العربية والإسلامية بكل ما أوتينا من وعي وإصرار صلابة وحزم.