ربما لأن التغيير الذي حصل بعد ٢٠٠٣ هومن يدعونا لكي نقول أن الكثير من دعاة التغيير في البلد قد وقعوا في فخ الخلط بين واقعنا والواقع الذي عاشوه حين كانوا لاجئين أو منفيين أو مقيمين يحملون جنسية هذه البلدان التي منحتهم فرصة العيش كمواطنين قدموا إليها لأسباب سياسية أو إنسانية أو غيرها ، وبعدها حين عادوا إلى موطنهم الأصلي أرادوا نقل النموذج المستنسخ من تلك التجارب كي يلصقوه على صفحة الواقع المحلي ، من دون رؤية أو قراءة و قدرة على فهم ما جرى أو يجري خلال عقود من الزمن .. أو أن بعض هؤلاء الدعاة قد فقد ذاكرته تدريجيا فتلبّس ذاكرة جديدة مبعثها التجربة غير الأصيلة التي تركت بصماتها على الأفكار والرؤية والقراءة غير المتبصرة لواقع غير مهيأ أبدا لقبول كل ذلك بيسر وسرعة ومبالغة.
يضاف إلى ذلك خصوصية الحدث الكبير الذي أحدث هزة أكبر من تحمل الأرضية التي حصلت فيها هذه الهزة ، وردود الفعل المتباينة داخليا وخارجيا مع اختلاف المصالح وتضاربها طبعا والتي تشمل دولا مجاورة وغير مجاورة ، قد صنعت نتائج ومعطيات لم تكن ضمن حسابات
التفاؤل المبالغ فيه لدى الكثير من السياسيين الذين لم يتعلموا بعد فن الممكن وماكان وماسيكون.
هذا ما يدعونا للحديث عن صناعة المستقبل في العراق الذي تأثر ببعض مما ذكرناه ربما ، وهناك أسباب أخرى تتعدى هذا المستوى من الموضوع ليدخل في مضمار الصراعات المستحدثة بعد التغيير ، ونعني بها الصراعات الحزبية والشخصية والسلطوية وكذلك الخلل في الرؤية إلى الدستور والقوانين وتشريعها أو تنفيذها فيما بعد.
لكن الأساس يبقى في قراءة الواقع واستثمار التجارب المنبثقة من رحم هذا الواقع لكي يتم العمل تدريجيا على التحول والتغيير ضمن معدلات مدروسة ومقروءة وكافية ، وليست مجرد خيالات وتطلعات وقفزات فوق ما هو موجود على الأرض ، أو مجرد نظريات وكلمات ومشاريع غير قابلة للتحقيق.
صناعة المستقبل في العراق ، موضوع كبير جدا مطالبين بالبحث عنه ، على شتى المستويات ، سياسية وأكاديمية وإعلامية وشعبية..
يحتاج إلى ثقافة غير مستنسخة وبصيرة وروحية وإخلاص ..كل ذلك يرافق تنظيما وإدارة وقوة للدفاع عن مستلزمات صناعته دون تردد مهما كانت الظروف والتعقيدات وشكل الصورة الحاضرة و تداعيات التجارب الماضية.