فذاك يعني انه ايذانا لإيقاظ الفتن المدبرة النائمة لتقبل بعد ادبار، فعندما تقبل، تقبل كقطع الليل المظلم يدفع أولها آخرها، وعندما تستيقظ، تستيقظ مستهترة لتقرع نواقيس العهر الأجتماعي والسياسي والتبشير بتفشي حالات تعميم الشر والخطر ودق طبول الحرب ونشر الدمار والخراب، وليعم كذلك في تلك البلاد الاقتتال والهرج والمرج والفوضى وغياب الأمن، عند ذاك فلا يحسرها إلا الجلد والصبر والحلم والحزم وضبط النفس والحكمة والتخطيط المتقن وتوحيد الخطاب والدقة المتقنة في مهنية واداء المؤسسات الأمنية والسياسية، والابتعاد عن حالات انعاشها وعدم الانجرار وراء ملاحيها والمنغمسين باحيائها والضالعين بدفعها بين صفوف الناس وتحريكها إلى الأماكن الصالحة للصراع، والميل لإعلان حالة الطواريء وفرض الأحكام العرفية اذا تطلب الأمر، وادنى ذلك الانحسار هو ذلك الصمود الذي يعتنقه المؤمنون الصادقون، عند مواجهة الاعداء الفتنويين كحالة من حالات الدفاع عندما لاتسنح الظروف لتدخل القوات المسلحة.
وأن أول من يركب الصمود لصناعة النصر هم أولئك القلة القليلة من الرجال الذين تجلدوا وصبروا وصدقوا على ما عاهدوا الله عليه للفوز باحدى الحسنين، بالنصر المؤزر ،أو بالشهادة المبرورة، فلا تعدو اعدادهم وفي جميع الأحوال اصابع اليد الواحدة في كل جماعة وفي كل حالة، إذا كانت تلك الجماعة قد ألزمت نفسها ان تدافع عن قيمها ونواميسها وثوابتها ومسلماتها وعن النفس والمال والعرض أحيانا والمقدسات، كما وأن حالة الصمود هذه تتغشى أفراد تلك الجماعة كتغشي النهار على الليل ليعم الصمود والثبات الجميع، كنتيجة وكثمرة من ثمرات ثبات وصمود أولئك الرجال المؤمنين الصادقين.
أما الهزيمة والانكسار فلا يصنعهما إلا أراذل الناس، أو لربما يصنعهما شخص واحد من أولئك الأراذل، نعم شخص واحد يكفي لاثارة الهلع والخوف والذعر بين صفوف المقاتلين، وقيمته المعنوية عادة ماتساوي صفرا، فإذا ماضرب مع مجمل نسب معنويات الجميع صار حاصل جميع نتائج المعنويات صفرا، مهما بلغت قيمها الأصلية أو المكتسبة، فلذلك عندما يتخاذل أو يخون ذلك الشخص يتحول إلى فايروس هزيمة ومشروع مروع لتولي الأدبار في تلك الجماعة، فتنتقل تلك العدوى إلى سائر أعضاء ومكونات جسد تلك الجماعة بسرعة تفوق التصور بسبب توقف جميع الحواس والعوامل الحسية عن اداء وظائفها، إلا عامل الذعر والخوف الذي يكون سائدا على جميع تلك الحواس في تلك اللحظة المشؤومة، خاصة إذا كان الجسد يفتقر إلى عناصر ومقومات المناعة أو الحصانة اللازمة لمقاومة تلكم الحالة، التي تغوص إلى أعماق واخلاد الآخرين بسرعة البرق، والنتيجة فإن أعضاء تلك الجماعة يذعنون كاذعان صاحبهم مهما كان صبرهم وشجاعتهم.
ولا تتم الهزيمة أيضا الا بمساعدة تأثير العقل الجمعي وبمقدار سلطته على عقولهم وبمساعدة الإملائات الطائفية الداخلية والخارجية الملقنة مسبقا، وايضا فان انعدام الضبط في تلك الجماعة له دور كبير في تأجيج الانفلات وعدم اطاعة الاوامر، فحينئذ يسري فيها الخوف والذعر والانكسار بسرعة تفوق سرعة سريان النار في الهشيم-كنتيجة لتخاذل ذلك الشخص الطائفي الغير منضبط، والمتخاذل أو المتظاهر بالخذلان إذا كان خائنا أو تابعا لتنفيذ مآرب أجندة أخرى-فعندئذ يصير الواحد اثنان، والاثنان أربعة، والأربعة ستة عشر، وهكذا، وبهذه الطريقة ينكسر وينهزم جيش عرمرم قوامه ربما يفوق عشرات الألوف من عدة وعديد في غضون سويعات، وبطريقة مريعة لايمكن احتوائها والسيطرة عليها مهما بلغت الاحتياطات الأمنية والادارية واللوجستية الطارئة، ومما يساعد في تأجيج حالة الانكسار وتقويتها عدة أمور، ونستطيع ان نعتبرها انها بعض من الأسباب الموجبة للهزيمة والإنكسار ، نوجز ما كان منها جليا وعلى سبيل المثال: فمن الاسباب ماكان مرتبطا باضمحلال الضبط وقلة التدريب وسوء في الإدارة والتخطيط والتنسيق واهمال مباديء السيطرة والمواصلات، واهمال مبدأي سبق النظر وتقدير الموقف في اعداد حسابات نتائج العمليات العسكرية، التي ما من شأنها ان تؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا على تلكوء الجانب القيادي والتنفيذي والتعبوي والاداري والاستخباري والمخابراتي، ومنها ماكان مرتبطا بنقص في الجانب اللوجستي الاستحضاري، ومنها ماكان مرتبطا بخلل واضح بضعف القيادة والسيطرة باهمال تطبيق مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والنتيجة وصول اشخاص "ليسوا لها" إلى مراكز مفصلية في مواقع صنع القرار والتنفيذ، وإلى مواقع حساسة ومفاصل مهمة في القيادة والاستشارة، وتبوء مناصب غير جديرين بها بدأ من منصب أمر الحضيرة ولغاية اعلى منصب في التسلسل القيادي للجيش.
ومن اعتى وأخطر تلك الأمور التي تساعد على الهزيمة والانكسار ثلاثة أشياء هن: الفساد بجميع انواعة، والمحاصصة الطائفية المقيتة، وتقاطع العقائديات والآيدولوجيات بمختلف انواعها الحزبية والدينية والسياسية والاجتماعية والقومية والمناطقية، فتساهم تلك الأسباب مجتمعة لانتاج جيش عقائدي بعيدا كل البعد عن الكفاءة المهنية والقتالية، فيتحول رويدا رويدا إلى جيش مسيس أكثر وأقرب شبها إلى المنظمات النفعية والنقابية خاويا مفككا، لايجلب لنفسه الا الإنكسار والهزائم والإدبار والحاق العار للمنظومة العسكرية وللثوابت الوطنية، ويجلب الويلات والمحن والنكبات والرزايا والمصائب لشعبه وبلده في كل مواجهة وان صغرت، ومما ذاق مرارة ذلك النمط من الجيش وويلاته ممن كان يحسب على أعظم واقوى الجيوش عبر التاريخ القديم والحديث، فيمنى بالهزيمة الكاسحة تلو الهزيمة والانهيار عند خوض مختلف الحروب المحورية الكبرى والصغرى.
ويقينا ان النصر الذي حققته مدينة "آمرلي" الباسلة هو ذلك الصمود الذي تغشى أهلها، فإنتصروا بأبسط الامكانيات الحربية الدفاعية المتوفرة لديهم من عدة وعديد، وبقلة من قوت طوال مرحلة الحصار الجائر الذي فرضته عصابات داعش الإرهابية على تلك المدينة المؤمنة الصامدة، فإعتاشوا أهلها طوال فترة الحصار على ماتبقى عندهم من ماء مر، وعلى فتاة وفاضل من خبز يابس، فإنتصروا بإيمانهم المطلق، وبإصرارهم على التمسك بقضيتهم، والفضل يعود في كل ذلك إلى نصاعة بياض قلوب أهل المدينة أنفسهم، والى عمق ولائهم وايمانهم وصدقهم وشجاعتهم الفائقة وضمائرهم الحية، وبخلو ساحتهم من حواضن الارهاب وداعش، وخلوها من الخونة والمتآمرين والمتخاذلين والمارقين والناكثين.
هذا الصمود استطاع أن يغير المعادلة الحربية في صفوف الجيش والمعنوية في صفوف الشعب_ وأقصد الاهالي بجميع طبقاتها ومكوناتها_ خاصة عندما تآزرت جموع الحشد الشعبي وسرايا السلام وعصائب الحق للدفاع عن المدينة وطرد المتطفلين الأجلاف من نير احتلالها ليتحول التخاذل والنكوص إلى انتصارات عسكرية باهرة في الميدان وعلى أرض الواقع، إذ ستستطيع تلك القطعات الباسلة وبإذن الله القضاء التام والمبرم على عصابات داعش وإعادة السيطرة على الأراضي المغتصبة لإهلها في غضون الأيام المقبلة وبطريقة اللي والقضم الذي يحرم العدو من حرية المناورة والمبادأة والتمدد، وحرمانه من التحكم باختيار الملاذات والحواضن الآمنة، ومنعه من التواصل من خلال قطع طرق امداده ومواصلاته.
فهنيئا لكم أيها الآمرليون، لأنكم سطرتم أروع البطولات في سفر التاريخ تسطيرا باهرا، وصنعتم النصر والصمود من قلة صنعا مميزا، وأنتزعتم الكرامة والشرف العراقيين انتزاعا فائقا وقدمتموه هدية على طبق من ذهب للشهيد العراقي وللمواطن الكريم لاعادة الاعتبار.
وشكرا للجيش العراقي الباسل وقطعات الحشد الشعبي وسرايا السلام وعصائب الحق وجميع الشرفاء البدريين الذين ساهموا جميعا بالحفاظ على الشرف العراقي وتخليص آمرلي وبعض المناطق من السقوط في قبضة هؤلاء الأجلاف، وهذي تحيتي لكم وتحايا جميع العراقيين الشرفاء حين تصبحون وحين تمسون .
ولدينا وقفة اعتبار مع رجال الحشد الشعبي وابطال سرايا السلام والعصائب ومقاتلي بدر الأشاوس اللذين اندفعوا بقوة لتلبية فتوى الجهاد وتأدية الواجب المقدس، فهانت عليهم أنفسهم وارزاقهم ودمائهم وأهليهم من أجل تنفيذ تلك المهمة المقدسة، اذ سطروا دروسا في الشجاعة والوفاء لوطنهم وترتبتهم التي نهلوا منها ببسالة ليس لها نظير.
وبوقفة تاريخية أخرى، نقف مستفهمين إزاء ماأطلق وللأسف الشديد من عبارات التقبيح والتنكيل والتقريع، والقذف والقاء التهم وخلط الأوراق ليقارنوا مقارنة فجة بما تقوم به داعش إزاء مشابهتها بتلك القطعات على انها نظيرة لداعش الإرهابية، وكان ذلك في السر والعلن وعلى شاشات بعض الفضائيات المأجورة والمشبوهة، تناسوا ان تلك القطعات هي التي لبت النداء للتصدي لعصابات داعش الإرهابية وتخليص الأراضي المنتهكة من الاغتصاب الرجس طوعا وتلبية لنداء المرجعية الرشيدة الخالد، وايمانا واخلاصا منها للوطن وترابه الطاهر.
كما ونعتوا ظلما بمختلف أسوأ آلعبارات المشبهة والطائفية التي تجعل من تلك القطعات على انها مليشيات طائفية مرة، ومرة أخرى بعدم نزاهتها في مختلف فعاليتها في الميدان، والقذف أيضا من خلال الافتراء بتعاملها الشرس والخشن مع الناس، بغية ابعادها من شرف المشاركة في تحرير الأراضي المغتصبة وعرقلة ومصادرة دورها في التحرير، وفسح المجال امام داعش لتمضي قدما في تحقيق أهدافها لاسقاط بغداد ، وبعض المدن المهمة والاستراتيجية ككربلاء المقدسة والنجف الاشرف واقامة حرب الشوارع، وتناسوا إذا تم هذا لاسامح الله فإن عروشا كبرى وانظمة حكم راسخة في المنطقة ستسقط وتتهاوى وتتدحرج إلى واد سحيق،
-ولانستبعد كذلك من قيام حرب استنزاف فوضوية في المنطقة طويلة الأمد تحرق الأخضر واليابس وتقضي على جميع مناحي الحياة من أنفس وثروات-.
ف"هل جزاء الاحسان الا الاحسان"؟، حتى تسابقتم أيها المشبهون الاعراب للشتيمة وكفر الاحسان، دون ادنى خجل أو استحياء أو ورع للذين جادوا بدمائهم وأموالهم وأنفسهم واهلهم ورحضوا عار مالحق بكرامة مدنكم وممتلكاتكم واعراض حرائركم التي دنست بجريمة جهاد النكاح وجريمة بيعهن في أسواق النخاسة، لتنعتوهم بأبشع واقسى عبارات الشتائم والأوصاف الشائنة ويكأنكم تمثلون واجهة العهر السياسي والمذهبي والاجتماعي لعصابات داعش الإرهابية؟؟!!، والتي لاتدل إلا على خبث نواياكم وإنحطاطكم وانحراف منهجكم كإنحطاط بعض شوارعكم وبيوتكم التي رجمت أرتالهم بالنار والحجارة والدعاء عليهم بالويل والثبور.
إنكم بفعالكم هذه وأشباهها، جعلتم من انفسكم على إنكم داعش بعينها، بل أعرابها ومطيتها الطيعة التي ارتدت قميص الوطن ولبست لباس الشعب، ولذلك فلا عجب ولاتثريب على من يتهمكم على إنكم من أسس لإغتصاب الأرض وانتهاك المال والعرض ونزوح الاهل.
ان الذين تخاذلوا وخانوا الأمانة وشتموا لالوم عليهم ولاحرج من وجهة نظرهم، ذلك لإعتلالهم بعلة موت الضمير، ولاتخاذهم تلك الأساليب كمعايير ثقافية لتمثل هوياتهم الاعرابية والسلجوقية وتاريخهم الأموي المرير الأسود عبر مئات السنين، وهذا هو الداء المزمن الذي لاينفع معه دواء، لذلك نجد ان الأطباء فد نجحوا في زراعة أغلب أعضاء جسم الإنسان الا الضمير، نجدهم قد عجزوا، أي عن تلبية هذا المطلب إن صح التعبير.
وهذي أيضا سقيفة أربيل الاعرابية الفتنوية التي أدلت بدلوها في الثامن عشر من كانون الأول ٢٠١٤ خير شاهد ودليل على سوء سريرتهم وإعوجاج منهجهم، من حيث انها تناولت في احدى فصول بيانها الختامي المعنى الآنف السيئ الذكر، لتشويه صورة تلك القطعات وعلى رأسها ابطال الحشد الشعبي بنعوت اشبه بمن يدس السم في العسل، وبمن يقوم بخلط الأوراق مع بعضها ليحرقوا الأخضر باليابس، لابعادها من دورها الوطني وتكليفها الشرعي.
ان نعوتكم تلك، ماهي إلا حبر على ورق، أو كنعيق غراب في هواء، ولايهم لطالما ان ابطال الحشد الشعبي ماهم الا موقف وطني عراقي اصيل وحضاري جدير يعبر عن أصالة وكرم وشجاعة وغيرة أهل الوسط والجنوب ليضاف إلى مجمل مواقفهم البطولية المشرفة الاخرى عبر تاريخ العراق في العصر الحديث. وليعلم هؤلاء وأسيادهم ان جيش وشرطة العراق، وردفائهم من رجال الحشد الشعبي وبقية القطعات الشعبية الوطنية، ما نزلوا الينا من المريخ أو جاءونا من شتات الأرض أو من شواذ ولقطاء البلدان، انهم خرجوا من أرحام العراقيات الطاهرات النجيبات، وتخرجوا من مدرسة الشعب المرتبطة بمدرسة النبي محمد القائد وأهل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين، ومن مدارس التوحيد الاخرى المرتبطة ببقية الأنبياء عليهم السلام وبحضارة وادي الرافدين العتيقة، لا من مدارس الطلقاء ومدارس العهر الديني والسياسي الأموي في المنطقة، فضلا عما تميزوا به من امتداد عمقهم الحضاري إلى جذور الشعب العراقي المختلف الألوان والمذاهب والمتآخي في كل زمان ومكان.
انتظروهم مهما عظم مكركم، انتظروهم وانظروهم فانهم هم من يستطيع إعادة ترتيب الأوراق، وغسل العار، واسترجاع الأرض والعرض والكرامة كما هو ديدنهم في المواقف الشائكة عبر تاريخ العراق الحديث امتدادا من مكافحة الاحتلال من القرن الماضي وعند انبثاق ثورة العشرين من القرن الماضي مرورا بالانتفاضة الشعبانية المباركة وبقية الأنتفاضات والى يومنا هذا.
وماهي الا أيام وستنجلي الغبرة ويتحقق النصر الشامل وتعود المياه إلى مجاريها، ويقضى على داعش ومن معها إلى الأبد، ويأخذ كل ذي حق حقه، ولكن نخشى مانخشاه وذلك مالانتمناه بعد ان يستقر الوضع في العراق وبعد تحرير جميع الأراضي المغتصبة وتحرير آخر شبر من الموصل الحدباء ان تشب حرب أهلية "سنية"-"سنية، شيعية،كردية، مسيحية، آيزيدية، شبكية" شبيهة إلى حد ما بالمعارك الاستنزافية الطاحنة للأخذ بالثارات والاستحواذ على فاضل الخيرات، من ذوي بعض الاشخاص الذين لاتقل نسبتهم عن ٤-١٠% من كل قبيلة وعشيرة، من الذين ورطتهم داعش بالإنخراط في صفوفها وتنفيذ مختلف الجرائم المتعلقة بالانفس والمال والعرض لجميع المكونات، فعلى الحكومة والرئاسات الثلاث وأصحاب الحل والعقد وكل من يعنيهم الأمر ان يفكروا في هذا الأمر مليا ووضع الخطط والحلول اللازمة للحؤول دون وقوع هذا الأمر الخطير، وعلى الدولة ان تتدبر هذا الأمر بنفسها دون تدخل الناس، والعمل الدؤوب على مقاضاة من يدعون انهم كانوا يحاربون داعش كذبا وزورا، وهم في حقيقة واقع الحال كانوا حراسا وحماة لافكار وأعمال ومناهج داعش، والعفو المشروط اولى مقابل اعترافهم بالجريمة وإعلان التوبة وتعويض المتضررين، وبهذه الطريقة ستوضع أول قدم نحو تجفيف منابع الإرهاب والحواضن الداعمة له.
وأمر آخر لايقل أهمية عن الأمر الآنف هو ان لانصاب بالغفلة لكي لاتتكرر داعش مرة أخرى من حيث انها تأتي بمسميات أخرى جديدة، ربما تأتي مرة أخرى بوجه آخر وثوب آخر وهدف آخر بمكان وجغرافية أخرى، وقد تختلف بالمظهر ولكنها تتطابق معها بالجوهر من حيث ان مخلوقاتها عجيبة غريبة قادرة على اتقان أسلوب القتل والذبح والإستهتار وتعميم الذعر والخوف في صفوف عزل الناس واستهداف الشعب والمكونات بالقتل والتشريد ومصادرة الممتلكات، والقضاء على كل ماهو انساني وحضاري وثقافي بطريقة اشبه بطرق اسلافهم عبر التاريخ لإسلامي، والمتتبع لتاريخهم الاسلاموي يجد ان تاريخهم الداعشي الأسود قد ابتدأ منذ انبعاث الدين الاسلامي الحنيف برسالة النبي محمد (ص) بحروب التنزيل في عهد شخص النبي (ص) وحروب التأويل في عهد وصيه الامام علي(ع) مرورا بعدة وقائع ورزايا مفصلية كان من ابرزها واقعة الطف المأساوية، وحصار مدينة الرسول (ص) الجائر واستباحة أهلها واموالها ومحرماتها، تبعها استباحة بيت الله الحرام وأحراقه وتهديم اركانه بالمنجنيق، وهكذا تتوالى الأحداث والمصائب والنكبات على مدى التاريخ على يد هؤلاء الاعراب الأجلاف، وصولا إلى يومنا هذا الذي صار فيه أبو بكر البغدادي خليفة وأميرا للفاسقين لأنه على مايبدو وحسب تفسيرهم للآية الكريمة المباركة:
"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين"، على ان هذه الكلمات التامات هي شروط إذا ماتوفرت بشخص ما فإن ذلك الشخص جدير بأن يكون خليفة للمسلمين وحاكما على رقابهم وهن:"إستعمال المشط، والسواك، ووضع الكحل، والطيب، والدهن، وحلق الشارب، واطلاق اللحية، وقص الأظافر، والاستنجاء من البول والغائط، وتقصير الثوب، ونتف الابط والعانة"، معللين ذلك بأن الله سبحانه ان جعل من أبراهيم النبي (ع) اماما أي قائدا وخليفة لتطبيقه تلك الصفات والشروط التي وصفها ب(الكلمات) بالآية الكريمة الآنفة، وهكذا كان يسري هذا النظام ومازال على جميع خلفاء المسلمين من بداية عصر صدر الإسلام والى يومنا هذا، بحسب التفسير الظاهري لهذه الآية بزعمهم، ذلك كأن الله سبحانه وتعالى خص الجعل لإبراهيم (ع) لتوافر تلك الخصال الآنفة الذكر بزعمهم، بقوله سبحانه: " ولاينال عهدي الظالمين"، أي الذين لاتتوفر عندهم تلك الخصال، أي (الكلمات) الوارد ذكرها في الآية المباركة.
وهكذا ابتليت الأمة وخنعت لمثل تلك النماذج من الحكام، المشبعون بالظلم والاستبداد وهدر الطاقات والانغماس بالملذات، فإبتلاها الله بما ابتليت به الآن من تداعيات من نقص في الأموال والانفس والثمرات وبشيء من الخوف والجوع: " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".
ولو ان الأمة اهتدت وتوحدت لاختيار حكامها ولجميع المستويات وفق المفهوم القرآني والقانون الالهي لصارت الأمة من أحسن الأمم، ولصارت بما تسمى بدولة الأنبياء والأوصياء، الدولة العصرية العادلة، بدلا من دولة الإنسان،
ولو ان الأمة اهتدت بما جاء به المعصوم(ع) من تفسير وتأويل الخصال (الكلمات) التي ورد ذكرها في الآية الكريمة: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" والتي يجب ان يتصف بها الحاكم والقائد والامام بجميع المستويات، وهن:" التوحيد، والنبوة، والموالاة، والعدل، والمعرفة، واليقين، والسخاء، والشجاعة، والصبر، والاخلاص، والنزاهة، والانتظار،،،الخ" لكانت الأمة قد اهتدت بنور الإسلام ولوصلت لمفهوم الدولة الاسلامية العادلة المعاصرة، وماحصل الذي حصل لهذه الأمة من تداعيات وما ابتعدت كل هذا البعد عن تلك المفاهيم الالهية القرآنية التي جاء بها الإسلام.
ويقينا أن من جاء بداعش وبجميع النكبات عبر التاريخ الاسلامي القديم والحديث هو ابتعاد الأمة عن تلك المفاهيم الإلهية المشروطة لاختيار الحكام، فإبتلاها الله سبحانه وتعالى بما أسلفت به في آنفا وبما الزمت به نفسها، ويقين آخر ان من جاء بداعش هي تلك الانامل البنفسجية التي جاءت بهكذا نمط من الحكام من الذين لم ينالوا عهد الله ولم يتصفوا بتلك الكلمات التي إشترطها الله سبحانه للاستخلاف، وبدلا من ذلك تميزوا بالظلم التي يتعارض مع المنطق القرآني .
ويقين ثالث نحن بأمس الحاجة في الوقت الحاضر إذا اردنا الاصلاح، يتعين علينا ان نغير الخطاب نحو الوسطية المعاصرة لا لتجديد الخطاب نحو وضع حلول ترقيعية ملفقة غير قابلة للتنفيذ لاتتلاءم مع أرض الواقع، وان نجرب ان ندخل الإسلام من بوابة علي والحسين (ع) لا من بوابة معاوية ويزيد.
"فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".