ولا أعرف أن لو أتى البابا للناصرية كما يُشاع هذه الأيام، فبأي وجه ستستقبل الناصرية مسؤول أجنبي كبير يزور أرض مهد الحضارات وأمجدها...؟!
ستكون زيارته محرجة للناصرية وأهلها وتجلب النظرة السيئة لمدينة الناصرية لما سيراه البابا ومئات الوفود التي سترافقه من إهمال ووساخة وسوء خدمات وقلة إهتمام بمدينة الحضارات...؟!
وأين سيضعون الوفود الكثيرة التي ستأتي مع البابا، خصوصاً وأن في الناصرية كلها فندق وحيد يطلقون عليه سياحي، ولكن لو قسته بأقرب الفنادق السياحية بتركيا وإيران وسوريا وغيرها من دول الجوار لأصبح فندق شعبي جداً...؟!
سيأتي مع البابا مئات إن لم أقل الاف من سائحين وسياسيين ومنقبين وعلماء وصحفيين ووسائل إعلام أجنبية وعربية أفلا يستلزم وجودهم وجود فنادق عصرية ومطاعم متنوعة تقدم مختلف الأطعمة ومراكز تسوق عصرية تقدم تذكارات وهدايا حول المدينة ومنتوجها وتذكرهم بمدينة الحضارات...؟!
وأين ستهبط طائرة البابا وطائرات الوفود المرافقة...؟!
في المدرج العسكري لقاعدة الأمام علي حيث لا يوجد غيره...!!
فلا يوجد في هذه المدينة التي قارب عدد سكانها الميلون نسمة في المحافظة التي تجاوز عدد سكانها المليوني نسمة لا مطار ولا وسائل نقل سياحية حديثة متخصصة ولا مترو ولا مرافق خدمية سياحية ولا متنزهات عصرية ولا حدائق لائقة ولا كهرباء متواصلة ولا شبكة مجاري صحيحة تنقذ المدينة من المياه القذرة وطفح المجاري في الأحياء السكنية ولا شوارع عصرية ونظامية تواكب التضخم السكاني في المحافظة ولا نظافة ولا ولا ولا مما يوجع القلب ذكره....!!
ألا يستوجب الأهتمام بالمدينة وعمرانها قبل توجيه دعوات لمسؤولين أجانب كي يحضرون لمدينة مهملة لكي يعكسوا صورة جميلة عمّا سيروه، فكيف لو عرفوا أن في الناصرية كلها فندق سياحي وحيد بطابقين، ولا مركز تسوق ولا شوارع عصرية ولا وسائل نقل نظامية ولا حدائق ولا نظافة ولا مطاعم يصدق عليها مصطلح (سياحية)...!!
وكيف ستسير الوفود في شوارع الناصرية الغير نظامية والقليلة والتي تغص بأهلها قبل غيرها حيث أن هذه الشوارع بقيت كما هي منذ عقود طويلة، حيث لم يتم إستحداث طرق داخلية وجسور وأنفاق لتلافي الأزدحام إلا قليل...؟!
لماذا عدم الاهتمام بالآثار والسياحة والحضارة في ذي قار؟!
لم يحصل ذلك لعدم وجود من يهتم بتلك الآثار ويقدر قيمتها أما لقلة الخبرة أو لعدم معرفة كيفية التصرف في الحكم والمسؤولية أو لعدم تخصيص ميزانية ضخمة لهذا القطاع الحيوي أو للانشغال بالصراعات الحزبية والسياسية وعدم الأهتمام أو التفكير بهذه الثروات أو لعدم وجود ذوي الخبرة والكفاءة ممن يطور هذا القطاع الحيوي.
ذكرت (أو) بين سبب واخر وبالأمكان جداً وضع (و) بدل الـ(أو) فتصبح جميع تلك الأسباب واردة.
وماذا عن قلة الأهتمام بالتنقيب...؟!
أفلا يكفي انتظار منقبين وباحثين أجانب بأنتظار أن تتكرم على ذي قار حكوماتهم وترسلهم ليمنوا على ذي قار بذلك...!!
ألم يئن للمسؤولين في ذي قار أن يطلبوا ويطالبوا بمنقبين وآثاريين وباحثين في التاريخ ويوفروا لهم كل متطلباتهم وإحتياجاتهم وتخصيص ميزانية خاصة بهذا الشأن والتأكيد على هذه المشاريع وفائدتها الحيوية في دعم السياحة والاقتصاد والأستثمار في المحافظة، ومن الممكن جداً أن تصبح مدينة أور السومرية بشهرة أهرامات الجيزة في مصر إذا توافرت الإرادة السياسية لذلك.
ستبقى اثار ذي قار جرحاً نازفاً يشهد على حضارة لم يولي لها أحد أدنى إهتمام في العراق القديم والحديث.
وستبقى حضارات ذي قار تنزف دماً لتاريخ كان شاهداً على أبناءه الذين خربوه تخريباً.
نحن كشعب من الممكن لوقتٍ ما أن نتحمل ما يلم بنا من معاناة من قلة خدمات وسوء إستخدام الثروة وعدم مواكبة التقدم الحاصل في دول الجوار والعالم، ولكن لا نريد لمن يزورنا أن يشعرنا بأننا كذلك.