فيمثل استشهاده حدثاً مأساوياً يحمل كل ابعاد القضية. قتلته الفئة الباغية التي تحمل راية الاسلام زوراً وبهتاناً، سواء اكان الامر باسم "الخوارج" او "القاعدة" او باسم "داعش".. قتلته في الاول من رجب.. والرجل صائم.. وبعد خروجه من محراب امير المؤمنين عليه السلام، وبعد امامته لصلاة الجمعة. قتلته كما قتل الخارجي ابن ملجم اللعين جده امير المؤمنين منادياً للصلاة، بضربة على رأسه الشريف، فصاح عليه السلام "فزت ورب الكعبة".. ولاشك ان صرخته لا تقف في حدود فوزه بالاخرة فقط بل هي اعلان فوزه بالدنيا ايضاً. فامير المؤمنين عليه السلام صاحب مشروع ورسالة.. وانه عندما يفوز بالجنة فمعنى ذلك ان الله سبحانه وتعالى قد رضي عنه في الارض ونصره في تحقيق مشروعه ورسالته. فاز على اعدائه وان قتلوه.. وفاز مشروعه.. وستتواصل رسالته يحملها الابناء حتى اشراط الساعة.
كان شهيد المحراب قدس سره يعلم انه سيغادر الدنيا قريباً.. وكان يبشر بشهادته.. فاستقر في النجف الاشرف، قرب المراجع العظام وفي خدمتهم معلناً تقبيل ايديهم وايدي جميع ابناء العراق الشرفاء.فاوكل امر الشؤون الجارية لمشروعه ورسالته لاخيه عزيز العراق.. واختار البقعة التي سيدفن فيها قريباً من قبر جده امير المؤمين، والتي صارت اليوم مسجداً ومؤسسة ومعلماً ومشروعاً واعداً ينفع وينتفع به الناس.
ويستمر المشروع.. وتتحول الاحلام الى حقائق.. وتفكك التعقيدات والصعوبات.. ويتم تجاوز المستحيل.. فالياس كان قد دب في قلوب القادة قبل غيرهم.. وهاجر الناس داخل وطنهم وخارجه.. وقل الناصر.. ووقفت الدنيا كلها مع صدام.. واختلف المعارضون لا يتحدون الا عنده.. فاستطاع توحيد الصفوف.. ورسم خطوط المشروع.. وسلك طريق ذات الشوكة.. وجرد صدام من اسلحته الواحد تلو الاخر.. وقاده للانتحار الذاتي ليتخلص الشعب العراقي وشعوب المنطقة من مرحلة بدت يومها، وكأنها لن تنتهي.
فمن لم يحلم يومها لم يؤمن بالنصر.. ومن لم يعش التعقيدات الهائلة، والمستحيلات الاكيدة يومها لا يرى المنجز الذي حققه شهيد المحراب، والتحولات العظيمة التي فجرها ليس في واقعنا العراقي فقط بل في واقع الامة كلها. ومن يغرق اليوم بالمطامح الصغرى ولا يحلم بالتحولات الكبرى، ولا يعلن فوزه وهو مخضب بالدماء سيكون انساناً بائساً فاشلاً تشغله الامور الصغيرة ولا يشعر بلذة المشروع والرسالة التي يحملها وتخطيط مناهج انتصارها، التي بها وبها فقط يستطيع فك المعادلات المعقدة والانتصار على الاعداء والتحديات، والانتقال من مرحلة الى اخرى ارقى، فتنتهي تلك المشاكل القديمة.. لتبدأ المشاكل الجديدة التي تحتاج بدورها الى من يحمل المشروع، ويخرج من ترهات الامور الصغيرة، وضغوطات اللحظة، وقناعات الاحباطات، ليرى الامل والحلم والمستقبل لينتصر في الحاضر والمستقبل. ليفوز بالدنيا والاخرة.
فسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا.