الحرب الأخرى تختلف عن الأولى, لأنها تدار بصمت من خلف الستار, وهي أقتصادية بطبيعتها وتتمثل بأنخفاض أسعار النفط , فأقتصاد العراق كما هو معلوم يعتمد بشكل كلي على النفط, بعد أن أنقرض مردود أنتاج الواقع الزراعي والصناعي وعلى هذا الأساس يعتبر النفط العمود الفقري للاقتصاد العراقي, الذي تلقى ضربة موجعة , أصابت البلاد بحالة أشبه بالعجز, لاسيما أن أعلانَ تلك الحروب جاء بتوقيت واحد, وذلك لم يحصل بمحض الصدفة بل عن تخطيط مسبق.
في ظل ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها كارثية, خزينة مفلسة تماما لعام ٢٠١٤ ,وبلد يخوض حرباً عسكرية تحتاج لأموالٍ طائلة, ونزوح جماعي لأبناء المحافظات, التي تتعرض للأجتياح من قبل الجماعات الإرهابية , وأزمة مستعصية بين المركز والاقليم, خطوط نفطية دمرت بشكل كامل, وبلد مقبل على الإفلاس وأزمة غاز مفتعلة راهن عليها كُثر, تلك هي أبرز المشاكل التي يتوجب على رجال الحرب الأقتصادية التصدي لها, وقد نهضوا بأعبائها وكانوا أهلاً لها.
بدأ مشوار تجاوز الأزمات الإقتصادية من إنهاء المعضلة حول الصادرات النفطية بين المركز والإقليم, والقضاء على أزمة الغاز المفتعلة, مروراً بالنجاح في توفير المشتقات النفطية للعوائل النازحة, وإصلاح بعض الخطوط النفطية في المناطق المحررة, والسعي الحثيث لزيادة الإنتاج, من أجل مواجهة إنخفاض إسعار النفط وتعويض الخسارة الناتجة عن ذلك ,وقد تحقق ذلك فعلا على أرض الواقع.
لنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلا, في تقرير أقتصادي يكشف عن واقع الإنتاج النفطي العراقي لعام ٢٠١٢, تبين أن حصة العراق في إنتاج أوبك ٣ ملايين و٨٠٠ الف برميل لا ينتج سوى ثلثيها, فهو لا يصدر سوى مليونين و٥٠٠ ألف برميل فقط, كان هذا في سنوات لم يشهد فيها العراق تحديات عسكرية وإقتصادية بهذا الحجم, ورغم ذلك كانت مستويات الإنتاج والتصدير متدنية جداً مقارنة بالوضع الراهن.
اليوم وزارة النفط تتخطى الأرقام القياسية في التصدير, رغم كل تلك المعوقات لتعلن أن معدل التصدير اليومي, للنفط العراقي خلال شهر كانون الأول, من العام الماضي هو الأعلى منذ ثمانينيات القرن الماضي، فيما بينت أن مجموع الإيرادات
المتحققة خلال عام ٢٠١٤ بلغ ٨٤ مليارا و٢١٥ مليون و٦٢٤ الف دولار, وأن العراق يصدر في الوقت الراهن ٣ مليون و ١٠٠ ألف برميل يومياً.
وزرات ثلاث يمكن أن توصف بأنها أشبه بحقول ألغام, بسبب المشاكل المتراكمة فيها, هي وزارة الدفاع والداخلية والنفط.
الوزارتان الأولى والثانية, تتولى تحقيق النجاح في الحرب العسكرية المعلنة, وتأخذ على عاتقها توفير الأمن, بينما الوزارة الثالثة تخوض غمار الحرب الأقتصادية المبطنة, وهاهي وزارة النفط اليوم تتمكن من تجاوز الأزمات, وتتخلص من معظم تراكمات الحقبة السابقة, وتقترب من حسم الحرب الأقتصادية لصالحها, ليخرج وزيرها سالماً من حقل الألغام, بينما تسعى وزارتي الدفاع والداخلية, لحسم المعركة العسكرية, ونأمل أن يتمكن وزرائها من أجتياز حقول الألغام, وتجاوز الأزمة ولم يتبق أمامهم سوى خطوات بسيطة.