وقد تمحور النقاش حول النقطة الثانية المتعلقة بعدم التعارض مع المنهاج الوزاري.. فرأى البعض ان هذا تجاوز على صلاحيات مجلس النواب، ورأى اخرون ان شرط المحكمة منسجم مع الدستور ولا يمس صلاحيات التشريع، بل يضبطها.
دافع الفريق الاول ان المادة الاولى في الدستور تعرف نظامنا السياسي باعتباره نظاماً نيابياً (برلمانيا)، واعطته العلوية والسيادة في قراراته.. وبالتالي لا يمكن الحد من صلاحياته التشريعية.
ودافع الفريق الثاني، ان قرار المحكمة -بغض النظر عن بعض الملابسات- هو قرار منسجم مع الدستور، ومع اسس النظام البرلماني الديمقراطي.. وان الدستور يجب ان يقرأ بكليته وليس بمادة او بعدد من مواده واهمال البقية، وان تستلخص منه روحه وفلسفته وليس شكلياته فقط.. صحيح انه اعطى لمجلس النواب (البرلمان) العلوية في التصويت بالثقة على الحكومة ومنهاجها الحكومي.. وانه الجهة الاساسية لتشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة.. وانه الجهة التي يمكن ان تلغي القوانين او تعدلها او ان تشرع ما تراه لمصلحة البلاد.. لكن الصحيح ايضاً ان عمل مجلس النواب يخضع بدوره لضوابط وقيود.. ويحدد عمله كمؤسسة مبدأ "التدقيق والتوازن" Check and Balances تحقيقاً للانسجام رغم الفصل بين السلطات.. فالقوانين يصوت عليها في معظمها بالاغلبية البسيطة، ويمكن لاية اغلبية بسيطة تتكون في ظرف محدد، وقد تكون وسط تأثيرات مؤقتة، ان تصدر القوانين المربكة.. بينما الحكومة ومنهاجها الوزاري قد صوت عليه بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب. فمجلس النواب الذي منح المنهاج الوزاري الثقة بالاغلبية المطلقة قد يصدر قوانين بالاغلبية البسيطة معرقلة لتطبيق المنهاج، مما يشكل تناقضاً يرتكبه مجلس النواب مع نفسه.. ومع الحكومة التي وضع ثقته فيها.
يجيب الفريق الاول بانه في هذه الحالة فيمكن للحكومة ان تستقيل لتأتي حكومة اخرى تستجيب مع ارادة المشرع في القانون او القوانين التي شرعها.. وهنا يوضح الفريق الثاني بان النظام البرلماني العراقي قد بني على اساس الغرفتين وليس الغرفة الواحدة.. وان "مجلس الاتحاد" (الغرفة الثانية) الذي يؤجل تشكيله باستمرار، يشكل ثلمة في حسن تطبيق الدستور وعمل المؤسسات، باعتباره الموازن لعمل مجلس النواب (الغرفة الاولى).. وان الدستور في بناءاته قد وضع مرحلة مؤقتة وانتقالية ودائمة.. وان المؤسسة التي اناط بها مهمة "مجلس الاتحاد" هي "مجلس الرئاسة".. الذي منحه الدستور حق رد القوانين، الى مجلس النواب، فان ردها "مجلس الرئاسة" ثانية فلمجلس النواب "ان يقرها باغلبية ثلاثة اخماس عدد اعضائه، غير قابلة للاعتراض، وتعد مصادقاً عليها" (المادة ١٣٨)، وهذه مادة وان باتت لاغية لكنها تعبر عن روح الدستور واتجاهاته، لتحقيق مبدأ "التدقيق والتوازن" الذي يناط عادة برئيس الجمهورية او "الغرفة الثانية"، او اجراءات اخرى في طرق تصويت مجلس النواب او بتوازنات من مؤسسات مقابلة له.. وبالفعل طالب الدستور في مواد عديدة التصويت بالاغلبية المطلقة او بالثلثين او حتى بالثلاثة ارباع عدد اعضاء مجلس النواب، مما يبين ان هناك قيود ومحددات، لا تلغي علوية مجلس النواب وسيادته، لكنها تحيطه بحمايات منعاً للاندفاعات الطارئة والمؤقتة والتي قد يكون ضررها على التشريع نفسه وسلامته اكثر من فائدتها.
اتفق الفريقان انه في حالة رغبة مجلس النواب لتشريع امر ما، بما يناقض المنهاج الحكومي فعليه ان يشاور الحكومة لتعديل المنهاج، فان وافقت فيمكن المضي قدماً.. والا تستطيع الحكومة تقديم استقالتها او رفض التشريع.. كما اتفق الطرفان على اهمية الاسراع بتشريع "مجلس الاتحاد"، واهمية الدور الذي تلعبه المحكمة الاتحادية، التي هي محكمة قضائية دستورية، تحكم في كل ما يتعلق بتفسير الدستور وما يقع من خلافات بين السلطات المختلفة، الخ.. وفق مبادىء القانون الدستوري اساساً، وليس وفق اجراءات وشكليات قوانين المحاكم الجزائية والجنائية.