وفيما وصف نائب كردي كلام المالكي بالخطير، حذر من اسهامه في خلق دولة بوليسية، مؤكدا أنه تجاوز صلاحياته الدستورية.
وقال واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، إن "الكلام الصادر من اعلى سلطة وهي رئاسة الوزراء ينتقص من مؤسسات الدولة، ويؤدي الى دولة تسمى دولة العشائر ودولة اللاقانون التي تحل عن طريق المعارف وليس عن طريق القانون". وتابع أن "الكتل الثلاث الكبيرة اتجهت نحو العشائر، وهذا يعد تراجعا عن تأسيس الدولة المدنية وهو خطأ كبير".
وقال المالكي، أمس الاربعاء، في المؤتمر الثاني لقبيلة بني مالك بكربلاء، إن الحكومة تسعى إلى تأسيس تشكيلات عشائرية تابعة لها ولمجلس النواب، معتبرا الاعتماد على جهود الحكومة وحدها من شأنه خلق "دولة بوليسية".
وأردف المالكي أن الحكومة تسعى لتشكيل مجلس وطني للعشائر يتشكل من القبائل العراقية ويكون مساعدا لمجلس النواب. وشدد على ضرورة استحداث مديرية تعنى بالعشائر تسمى مديرية شؤون العشائر، مبينا أن الهدف من استحداث المديرية الاعتماد على الجهد الشعبي كمساعد للجهد الحكومي ومتلاحم معه.
ورأى الهاشمي أن "العشائر مؤثرة كثيرا في القرى والارياف والمحافظات، وتلعب دورا كبيرا، وبما أن الكتل السياسية لا تملك ما تعطيه لجمهورها، اتجهت نحو العشائر لتحشدها على اساس المذهب والعشيرة والقومية".
ووجد أن "السياسة بعيدة كل البعد عما يقوم به الساسة حاليا في حملاتهم الانتخابية، والتحشيد العشائري هو عودة الى الوراء، ووعد كل سياسي لعشيرته باعطاء المناصب وترؤس المجالس ظاهرة تعكس امورا خطيرة".
وختم المحلل السياسي تصريحاته بقوله إن "السياسيين يحشدون الآن لثقافة سيئة مفادها ان الشيعة فرس وعملاء لايران، والسنة وهابية وعملاء لقطر والسعودية، والكرد عملاء لتركيا واسرائيل".
ووصف علي طاهر الحمود، الباحث الاجتماعي، مبادرة المالكي بأنها "كلام ليس له دافع حقيقي، وانما من اجل اصوات انتخابية، فهي لا تعدو عن كونها مزايدات سياسية، وبالنتيجة لا تصب في صالح بناء دولة وبناء أمة، فبناء الدولة يعني بناء المؤسسات والارتفاع والسمو فوق الانتماءات الفرعية (الطائفية والقومية والعشائرية)".
ولفت إلى أن "هذه المجالس إن تشكلت فستكون شكلية، وغير مؤثرة اجتماعيا، لأن العجلة لن تدور إلى الوراء ليكون المجتمع قبليا". وأبدى تصوره بأن "المجتمع ينمو بوتيرة متسارعة وشبابه يغادر القيم العشائرية، ولا يمكن ان يعيده اليها تشكيل مجلس عشائري".
وقال الحمود لـ"العالم" أمس، ان "عودة نظام صدام الى المؤسسة العشائرية والدينية كبديل عن المؤسسات المدنية الاخرى، لن يتكرر اذا ما تمكن المجتمع من فرز تنظيمات حديثة مثل الاحزاب وغيرها، ولو تمكن المجتمع فانه سيتخلى في بادئ الأمر عن المؤسستين العشائرية والدينية"، متطرقا "قبل الثورة النفطية في العراق وفي زمن الملكية تحديدا، كانت سلطة العشائر توازي بل تفوق سلطة الدولة، وكانت هناك احصائيات رسمية تشير الى ان عدد البنادق لدى العشائر تفوق بنادق الجيش العراقي انذاك، فكانت سلطتها منافسة لسلطة الدولة".
واستطرد الحمود "ما حدث بعد الثورة النفطية، وابان حكم صدام حسين، ان الدولة تمكنت بثروتها وجبروتها بتهديد او قمع العشائر، بحيث تحولت القبائل والعشائر الى تابع لسلطة الدولة وداعم لها". ونوه بأن "الدولة الآن تعتمد في شرعيتها على عدة مصادر، احدها العشائر، لكن دور العشائر ليس كما مضى، عندما كان شيخ العشيرة يأمر أبناء العشيرة بالتصويت لشخص ما فينصاع كل أفراد القبيلة او العشيرة لأوامره، هذا الأمر لم يعد موجودا".
وشدد الحمود على ان "الافراد يبقون دائما بمعزل عن عشائرهم، فسابقا كانوا تابعين لعشائرهم، لكن في القرن الحالي يتجه الشباب بفضل التقنيات الجديدة الى الفردية، وهم غير مستعدين للتنازل عن حرياتهم الشخصية لصالح شيوخ عشائرهم".
واتصلت "العالم" بهواتف نواب عديدين في ائتلاف دولة القانون، لكن بعضها كان مغلقا، ولم يرد آخرون، كما اتصلت على هواتف نواب في كتل مختلفة، إلا أنهم رفضوا التصريح، فيما علق أحدهم بأن دعوة المالكي غريبة وخطيرة في الوقت نفسه، وان الحديث عن المجلس العشائري يعد سيفا ذا حدين في الوقت الذي ينشغل الجميع بالدعاية الانتخابية.
وبعد سلسلة اتصالاتها تمكنت "العالم" من الحديث مع قاسم مشختي، النائب عن التحالف الكردستاني، الذي قال إن "الدستور واضح، وهذه التشكيلات غير دستورية، وتخدم مصالح رئيس الوزراء الشخصية، وكلامه يدخل في اطار الدعاية الانتخابية الخاصة به". وشدد على أن "البرلمان هو الممثل الوحيد للشعب، ولا موجب لخلق مؤسسة عشائرية مساندة للبرلمان او مجلس الوزراء".
واشار مشختي إلى ان "حزب البعث سابقا كان يتسلط على المجتمع من خلال اعضائه المنتشرين في كل انحاء المجتمع، والمالكي الآن يحاول ان ينتهج ذات النهج من خلال الاعتماد على أبناء العشائر في بسط نفوذه". وحذر من ان "هذا يخلق دولة بوليسية. وتشكيل مثل هذه المجالس امر يعد رجوعا الى الوراء وتجاوزا على الدستور".
وأفاد النائب عن التحالف الكردستاني بأن "ابناء اقليم كردستان يطلقون على مجلس الوزراء مجلسَ وزراء المكون العربي، لأن الوزراء الكرد غائبون عن مجلس الوزراء حاليا، واي قرار يتخذ في مجلس الوزراء يمثل جزءا من المكون العربي العراقي وليس للكرد أي آراء في هذا المجلس".