وسألت "العالم"، خلال الأيام الماضية، عشرات الموظفين، الذين يعملون في دوائر حكومية مختلفة، عن حقيقة "وصولات بأرقام مزورة"، تقدمها بعض لجان المشتريات في الوزارات الحكومية، بالاتفاق مع شركات تجهيز السيارات والأثاث واللوازم المكتبية والقرطاسية وغيرها، من مواد الاستهلاك الدائم في الدوائر، فجاءت إجابات الموظفين بأن "ما يقال هو جزء من الحقيقة فقط، وما خفي كان أعظم".
لكن جميع الموظفين الذين تحدثوا باحاديث صحفية"، طلبوا إخفاء أسمائهم، "خوفا من بطش المافيات التي نشأت حول العديد من لجان المشتريات".
الموظف الأول، الذي وافق على الإدلاء بشهادته، قال في مقابلة أجريت معه في أحد مقاهي منطقة العرصات ببغداد، "أعرف شخصا، دفع ١٠ الاف دولار، فضلا عن نصف مرتبه لمدة سنة كاملة، الى رئيس القسم التجاري في احدى الوزارات من أجل تعيينه في إحدى لجان المشتريات". وأضاف، أن "هذا العرض أعجب المدير، فطلب من جميع الموظفين المعينين في اللجنة المكونة من ٨ اشخاص الأمر ذاته.. ١٠ الاف دولار ونصف الراتب لعام كامل". وتابع أن "العادة تسير على تغيير لجنة المشتريات بأمر مدير عام الدائرة الادارية كل سنة، لكن الموظفين الثمانية الذين بقوا في مكانهم لسنة اخرى شكلوا اقوى مافيا وزارية، وابرموا اتفاقات سرية مع شركات عامة وخاصة لقاء تزوير المبالغ المثبتة في الوصولات التي تقدم لدوائرهم".
ومضى يقول "كانت هناك صفقة بين اللجنة وإحدى الشركات الخاصة في منطقة الكرادة لتأثيث مكاتب الدائرة الادارية من حاسبات واجهزة تلفاز وكراسي دوارة ومناضد حاسبات وغيرها بأرقام غير واقعية بالمرة". وأضاف "انا اطلعت عليها شخصيا وعرفت ان الكرسي الدوار الذي يصل سعره كحد اعلى الى ٤٥ الف دينار سجل في الوصل بـ ١٢٥ الف دينار، أي تم وضع اسعار اضافية بنسبة ٨٠ % يتم تقاسمها بين اللجنة ورئيس القسم التجاري".
موظف ثان، وافق على الإدلاء بشهادته، قائلا "كل ستة اشهر تستبدل لجنة المشتريات في دائرتنا، ولا يحق لهم العودة للجنة مرة اخرى الا بعد مرور سنة كاملة على انتهاء مهامهم فيها"، موضحا أن "جميع اعضاء اللجنة لديهم اتفاقيات مع شركات ومحال القرطاسية والاليات والحاسبات والغذائية وكل ما تطلبه الدائرة، بحيث كل شخص منهم مرتبط بمجال معين من المشتريات، وكل شخص منهم لديه اتفاقات مع اصحاب محال وشركات ويتم وضع السعر الذي يريد دون ان تكون هناك رقابة او تقييم للسلعة".
وأضاف "لتجنب أي مخاطر تتعلق بالملاحقة أو التحقيق، يخرج احد موظفي التدقيق مع لجنة المشتريات لشراء ما تطلبه الدائرة، فيتولى هذا الموظف عملية الاخراج القانوني للوصولات، لقاء نسبة معينة مما يدون فيها، فيجري تزوير الاسعار بالاتفاق مع صاحب المتجر او الشركة البائعة". وتابع "في حال تمت مساءلتهم عن غلاء سعر السلعة يتذرعون بانها سلعة اصلية وبإمكانهم شراء سلعة تجارية رديئة بسعر اقل".
ويقول إن "الستة اشهر هذه تعد فرصة مناسبة للموظف لجني المال وكسب الثروة السريعة، لذلك هو يعمل ليل نهار في اللجنة لقضاء الاشهر الستة واغتنامها بصورة تمكنه من حصد اكبر قدر من المبالغ غير المشروعة".
شهادة الموظف الثالث، نصت على أن "لجنة المشتريات في وزارتنا، بالاتفاق مع المدير، ذهبت إلى أحد معارض السيارات في بغداد واتفقت معه على شراء ٦ عجلات نوع باجيرو، شرط أن يضاف الى قيمة كل سيارة ٥ الاف دولار تثبت في الوصل، بوصفها قيمة الترقيم، والحقيقة أنه تم شراؤها مرقمة". واضاف "بعد أن عبرت أوراق السيارات من التدقيق، قام أعضاء اللجنة برفع أرقام السيارة وطالبوا بمبلغ ٥ الاف دولار لقاء كل سيارة من اجل ترقيمها، ووجه مدير الدائرة التي طلبت السيارات بمنحهم المبلغ، وارسل لجنة كشف وكانت اللجنة مرتبطة بلجنة المشتريات ايضا. ومرت صفقة الفساد بسلاسة دون ان يكشفها احد".
أما شهادة الموظف الرابع، فجاء فيها أن "لجنة المشتريات لدينا لا يتم تغيير أعضائها، فهم ثابتون منذ اكثر من سنتين، وتحولوا الى لوردات حقيقيين، يقيمون ليالي حمراء ويقصدون دولا اوروبية للسياحة، واستملكوا ما كانوا يحلمون به من دور وسيارات".
وقال الموظف صاحب الشهادة، "ابلغنا مكتب المفتش العام وطلبنا منه ان يسائلهم عن ثرواتهم الفاحشة، وبالفعل المفتش العام استدعاهم ولم يسجل ادانة ضدهم بحجة عدم وجود وثيقة تدينهم، حتى انه قال ان هيئة النزاهة بحاجة الى وثائق لتقبل احالتهم للتحقيق".
ويضيف "ما يحصل هو فساد وحتى ابسط مواطن يعرف ذلك، وحتى المفتش العام يعلم بذلك وهيئة النزاهة ايضا، لكن الهيئة تريد وثائق ولا تتحمل مسؤولية توجيه الاتهام".
مصادر في هيئة النزاهة، اعترفت بأن "جميع ما ورد في شهادات الموظفين حقيقي، لكنه يفتقر إلى وثائق".
وقالت هذه المصادر ""كل ذلك مؤشر لدينا، لكن لا يمكن الزام الفاسدين الا بالوثائق، وهو امر في غاية الصعوبة، فعندما يتم الاتفاق بين صاحب المتجر او الشركة وبين لجنة المشتريات على كتابة مبلغ غير حقيقي في الوصولات التي تطلبها الجهة الحكومية لا يمكن كشف حجم الفساد او الصفقة التي تمت بين الطرفين".
وتضيف أن "ما يحصل هو فساد وهدر مال خفي لا يمكن لاحد كشفه، وهذا الموضوع بحاجة الى قوانين اكثر حزما فضلا عن اصلاح آلية الشراء".