نزل أكثر من مليون متظاهر مجددا الى الشوارع، الجمعة، في القاهرة والاسكندرية وعدة محافظات اخرى للمطالبة برحيل حسني مبارك، وسط أنباء عن انتقال الرئيس المصري وعائلته إلى شرم الشيخ، فيما وصفت اجهزة الاستخبارات الاميركية ما حدث في مصر بـ"الزلزال السياسي"، متوقعة ان تواجه حكومات عربية اخرى احتجاجات مماثلة.
وتدفق نحن ٥٠٠ ألف متظاهر صباح اليوم، من أحياء عدة من القاهرة، باتجاه مركز الانتفاضة في ميدان التحرير، لاعلان اصرارهم على رحيل مبارك بعد ان دعوا الجيش الى اتخاذ موقف، هاتفين "الجيش لازم يختار الشعب او النظام"، بينما كان هناك قرابة ٥٠٠ الف متظاهر في مدينة الاسكندرية، اضافة الى عشرات الالاف في السويس والاسماعيلية واسيوط وسوهاج وبني سويف والمنصورة والمحلة وطنطا.
وتوجه آلاف المتظاهرين بعد الظهر الى مقر الرئاسة الرسمي، وهو قصر الاتحادية في منطقة مصر الجديدة بشرق القاهرة، فيما أعلن المتحدث باسم الحزب الوطني الحاكم محمد عبد الله، ان الرئيس المصري حسني مبارك انتقل مع أسرته إلى شرم الشيخ.
وكان الجيش، احبط المتظاهرين مجددا رغم الآمال الكبيرة التي كانوا يعقدونها عليه والدعوات التي اطلقوها الى تدخله لتحقيق مطلبهم برحيل مبارك سواء من السلطة او البلاد، وهو ما اكد الرئيس المصري عكسه في خطابه الذي ألقاه مساء أمس الخميس مشددا على انه سيظل في منصبه حتى نهاية ولايته في ايلول، وانه سيبقى في مصر الى ان "يوارى الثرى فيها".
واعلن الجيش في اطار ما وصفه بـ"البيان رقم ٢"، أنه "بحسب ما تقرر من تفويض للسيد نائب رئيس الجمهورية من اختصاصات، وإيمانا منا بمسؤولياتنا الوطنية بحفظ استقرار الوطن وسلامته، قرر المجلس الاعلى للقوات المسلحة ضمان تنفيذ الاصلاحات التي تعهد بها الرئيس المصري، وأبرزها اجراء انتخابات رئاسية حرة، والبت بالطعون في انتخابات مجلس الشعب المصري، وتعهد عدم ملاحقة الشرفاء الذين رفضوا الفساد، وانهاء حال الطواىء فور انتهاء الظروف الحالية.
وفي محاولة لبث الطمأنينة في نفوس المتظاهرين، اكد الجيش التزامه برعاية مطالب الشعب المشروعة والسعي لتحقيقها من خلال متابعة تنفيذ هذه الاجراءات في مواقيتها المحددة حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة.
وكان مبارك اعلن مساء الخميس، تفويض صلاحياته الى نائبه عمر سليمان طبقا للدستور بعد ان طلب من مجلس الشعب ادخال تعديلات على بعض مواد الدستور المتعلقة خصوصا بالانتخابات الرئاسية، غير ان التفويض الذي رآه المتظاهرون شكليا، لا يمنح نائب الرئيس، طبقا لنص المادة ٨٢ من الدستور، حق تعديل الدستور او حل مجلسي الشعب والشورى او اقالة الحكومة.
وفور اذاعة البيان، ظهر الغضب على متظاهرين محتشدين امام القصر الرئاسي المحاط بحراسة مشددة في حي مصر الجديدة بشرق القاهرة.
وفي الاسكندرية تجمع مائة الف متظاهر على الاقل، الجمعة، امام مسجد القائد ابراهيم في محطة الرمل بوسط المدينة، كما خرج مئات الآلاف في عدة محافظات من بينها السويس والاسماعيلية وبني سويف واسيوط وسوهاج وكذلك في المنصورة والمحلة وطنطا.
وقال المعارض محمد البرادعي على موقع تويتر، في اشارة الى حجم المشاركة الكبير في التظاهرات، ان "الامة بأسرها في الشوارع، والسبيل الوحيد امام النظام هو الرحيل، وسوف ننتصر ومازلت آمل ان ينضم الينا الجيش".
في الأثناء، توقع مدراء اجهزة الاستخبارات الاميركية أن تترك الاضطرابات في مصر تأثيرات طويلة الامد في الشرق الاوسط ، وحذروا من ان حكومات عربية اخرى يمكن ان تواجه احتجاجات شعبية مماثلة.
ووصف مدير الاستخبارات القومية ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) ليون بانيتا، ما يحدث من احتجاجات شعبية في مصر، بـ"الزلزال السياسي"، وقال ان "الاحباطات المكبوتة التي اثارت موجة احتجاجات الشوارع في مصر موجودة في دول عربية اخرى".
واضاف "اعتقد انه يكفي القول ان هناك عددا من الدول في العالم العربي تواجه نفس المشاكل ومن بينها غياب الحريات، وغياب الاصلاح السياسي، وعدم وجود انتخابات حرة ونزيهة، والركود الاقتصادي وتأثيرات ذلك على البطالة خاصة بين الشباب".
واضاف بانيتا ردا على سؤال حول تأثيرات ذلك على السعودية والاردن وسوريا "كل ذلك يعني ان علينا ان نولي اهتماما كبيرا للأمر، لانني اعتقد ان العوامل التي تسببت في ما يحدث في مصر يمكن ان يكون لها تأثير على مناطق اخرى".
ووضعت الاضطرابات الحكومة الاميركية في موقف صعب لانها تحاول الموازنة بين علاقاتها الاستراتيجية الطويلة الامد مع الانظمة العربية، والدعوة الى التغيير الديموقراطي في مصر.
يذكر ان مصر استلهمت أحداث الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وطالبت بتنحي مبارك الذي يتعرض منذ سنوات للانتقادات بسبب إبقائه على قانون الطوارئ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو القانون الذي أعلنه عام ١٩٨١ بعدما اغتال إسلاميون الرئيس السابق أنور السادات.
