يبدو أن الإطار الاستراتيجي الأساسي للرئيس أوباما صائب نظريا. يوم الإثنين وفي بكين كرّر أوباما ما قاله سابقا، حيث قال "ليس شعبنا هو الذي سيقاتل في نهاية المطاف وإنما على الشعب العراقي ان يقاتل وان يقرر وضعه الأمني الخاص به".
مع أن أوباما تعهّد مرةً أخرى بأن دور أميركا سيكون "مساعدة العراقيين ليساعدوا أنفسهم"، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنشر ١٥٠٠ عسكري إضافي كمستشارين في العراق ما يضاعف القوة الأميركية هناك.
ولأجل فهم مدى سوء الأمور في العراق بعد الاجتياح الأميركي عام ٢٠٠٣، علينا قراءة التقرير النهائي لعام ٢٠١٣ المعنون – التعلّم من العراق - الذي كتبه ستيوارت بوين المفتش العام لإعادة إعمار العراق الذي كان مكتبه مسؤولا عن تدقيق الهدر المستمر وسوء الإدارة والفشل الذريع هناك. ويخمّن بوين ان ٤٠% من المشاريع التي رعتها الولايات المتحدة وقام بتدقيقها كانت تتّسم بخلل وقصور كبيرين.
كان الإنفاق في العراق خارجا عن السيطرة، وكتذكير لذلك يكتب بوين قائلا ان الولايات المتحدة سلّمت في ٢٠٠٣ و٢٠٠٤ أكثر من عشرة مليارات دولار نقدا سحبتها من إيرادات النفط العراقية المجمّدة وأرسلتها على شكل رزم مجعّدة من فئة المئة دولار، لم تجر إدارتها بالشكل الصحيح. في الواقع تعرّض معظمها للسرقة.
ويقول بوين، وهو يصف البنك المركزي العراقي، "كان برنامج إعادة الإعمار الأميركي يرعى دون قصد ثالوثا سياسيا يشمل الأحزاب السياسية ومسؤولي الحكومة والمجموعات الطائفية. هذا المحور القاتل أجج إرهابا وفسادا تسببا في تسميم البلاد".
هنا يكمن التحدي، فالعراق على مدى العقد الماضي تعرّض للخراب بسبب العنف الطائفي والفساد، وان أي جهد أميركي لإعادة بناء جيش عراقي قوي بما يكفي لدحر متطرفي داعش، يجب ان يتغلب على هاتين القضيتين.
هنا أيضا كان أوباما محقا في إصراره على ضرورة رحيل رئيس الوزراء الطائفي الفاسد نوري المالكي كشرط للمساعدة العسكرية الأميركية .
لكن ماذا الآن؟ كيف يعمل رئيس الوزراء حيدر العبادي المدعوم من الولايات المتحدة على القضايا البارزة لحكومة أكثر نظافةً وأقل طائفية؟. لقد بدأ العبادي بداية جيدة لكنها بطيئة؛ لننظر إلى القائمة:
١- الفساد؛ لا يستطيع العراق ان ينجح عسكريا أو اقتصاديا دون كبح الفساد المستشري من عهد المالكي. استنادا إلى تدقيق بوين فان غسل الأموال من خلال البنك المركزي قد تسبّب في خسارة أكثر من ١٠٠ مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية، معظمها تسرّب إلى بنوك في دبي وبيروت.
محافظ البنك المركزي الذي تم تعيينه حديثا هو علي العلّاق الذي كان سكرتيرا لمجلس وزراء المالكي ويشرف على العقود الحكومية، ما يجعل من ذلك خبرا محبطا.
٢- الطائفية؛ استخدم المالكي الحكومة لمعاقبة السنّة، ما دفعهم إلى أحضان المتطرفين. أما العبادي فقد تحدّث عن إنهاء هذه الدولة البوليسية الطائفية، لكنه اختار لأعلى منصب في وزارة الداخلية مسؤولا في إحدى التنظيمات التي ينظر إليها السنّة على أنها فرق موت، ويخشون من ان الوزير سيأخذ أوامره من زعيم هذا التنظيم.
٣- التدريب العسكري؛ انهار الجيش العراقي، المدرّب على يد الأميركان، عندما اكتسح داعش مدينة الموصل في حزيران. اليوم يصل مدربون جدد من الولايات المتحدة وغيرها من الدول لإعادة بنائه. إلا ان المخططين في البنتاغون يتساءلون ما الذي اختلف هذه المرة بعد ان أنفقت الولايات المتحدة ٢٠ مليار دولار على تدريب القوات الأمنية العراقية من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١١.
٤- التواصل مع الكرد؛ لأجل كسب دعم الكرد، على العبادي تنفيذ ما ورد في الدستور في منحهم ١٧% من الميزانية الوطنية، وعليه أيضا تمرير قانون جديد يضمن مشاركة أموال النفط. ومنذ حزيران لم يتسلّم الكرد دينارا واحدا من تخصيصات الميزانية الموعودة.
٥- التواصل الإقليمي؛ من أجل بناء الثقة مع السنّة، على العبادي العمل مع دول الخليج العربي المجاورة وليس فقط مع إيران. فمشاركة العرب طريق ذي ممرين: على العبادي زيارة الرياض وغيرها من عواصم الخليج وعلى السعودية والآخرين رد الزيارة، إلا ان شيئا من ذلك لم يحصل لحد الآن.
بإمكان العراق ان يأخذ زمام المبادرة ضد داعش فقط اذا تحوّل إلى دولة أكثر لامركزية وأكثر شمولا. ستراتيجية أوباما تعتبر منطقية من حيث المبدأ، لكنها لن تنجح دون تحقيق تقدّم ضد الطائفية و الفساد.