و تساءل فیسک فی مقاله عن المدة الزمنیة التی سیبقى فیها الحکام الغرب یتملقون لهؤلاء المستبدین ، وشبههم بالملک الإغریقی الغنی کرویسوس ، مضیفاً أنهم مثیرون للشفقة وبخاصة أمام العرب ، الذین یدرکون أصول الدولة الوهابیة المتطرفة ضد الإلحاد وهم فی الوقت عینه أسرة حاکمة منذ آلاف السنین ومؤسسة على ید داعیة إسلامی متطرف جعل الرعیة بموضع عبادة للملوک، مذکراً بطالبان وأسامة بن لادن.
ویقول فیسک متهکماً : أخبرنا أوباما بأنّ الملک عبد الله کان صریحًا وشجاعًا بالحدیث عن قناعاته . کما أخبرنا کامیرون أیضًا أنه کان ملتزماً بالسلام ویعزز التفاهم بین الأدیان. هذا کله وقد کان یتم إعدام عشرات الأشخاص کل سنة فی فترة حکمه بعد محاکمات لا تطابق أی معیار للعدالة، إذ تم جر امرأة بورمیة فی شوارع مکة هذا الشهر، وهی تصرخ بأنها بریئة من جریمة قتل إبن زوجها، إلا أنهم قطعوا رأسها على ید مسؤولی هیئة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. فهل هذا هو الالتزام بالسلام والتفاهم بین الأدیان ؟!
لکن هناک جانب آخر لعبد الله لم یعد لمصلحته ، إذ هبطت صورته بشکل تلقائی بعد علاقة حبه مع «إسرائیل» ؛ فهو کان یعرض باستمرار توقیع السلام مع الکیان والاعتراف العربی الکامل به ، فی مقابل قیام دولة فلسطینیة والانسحاب العسکری «الاسرائیلی» من کل من غزة والضفة الغربیة والجولان . أی باختصار، الامتثال الدولی لقرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢، بالإضافة إلى فلسطین عربیة جدیدة وسلمیة. وفی العام ٢٠٠٢ عندما کشف الملک عبدالله ولی العهد آنذاک عن خطته للرئیس الأمیرکی بیل کلینتون، أجابه الأخیر بحماس"هکذا تکون الصفقات". کما أنّ قلیل الحظ، جون کیری، بارک هذه الصفقة، التی ربما کانت بمثابة قبلة الموت، ولکن على الأقل ترک علامة على الاعتراف المتواصل بالکیان. حتى طرزان مصر العسکری الرئیس عبد الفتاح السیسی، طالب بتطبیق هذه الفکرة . وتحدث بنیامین نتنیاهو عن إحتمال تطبیق المبادرة ، مدرکاً أنها لن تشکل خطراً کبیراً على الأراضی الفلسطینیة، رغم قدرته على التدمیر الفعلی لأی دولة فلسطینیة ستنشأ فی المستقبل من خلال سرقة المزید من الأراضی فی الضفة الغربیة من العرب . وقال فیسک بتهکمٍ واضح إنّ أفضل ما قام به أوباما هذا الأسبوع کان التمتمة عن "الخطوات الجریئة" التی اتخذها عبد الله ، دون تحدید "الخطوات" التی کان یتحدث عنها فیما الانتخابات «الإسرائیلیة» و الانتخابات الأمیرکیة تعد أقرب للحدیث عنها من قبل زعیم أکثر الدول عظمةً وقوةً فی العالم (فی الوقت الحالی). فی أیامه الأخیرة ، انعدمت الصحة البدنیة للملک السابق بشکلٍ واضحٍ لکلّ من عرفه ، إذ کان عبد الله على وشک الخرف، فاستلم خلیفته سلمان المکتب فی غضون ساعات من تولیه منصبه.
هؤلاء العُجُز یعرفون کیف یجب أن تقرر الخلافة بشکلٍ سرّی، وکیف یجب أن یحرّضوا الآلاف من أمراء الأسرة المالکة ورشوتهم، لتحقیق التوازن بین الثروة النفطیة من جهة، وتمویل داعش القائمة على أسس وهابیة من جهة أخرى، بالإضافة الى الإدعاء بأنهم یحققون العدالة .
وهکذا یمکن لرؤساء الولایات المتحدة أن یشیدوا بشهامة وحکمة المملکة العربیة السعودیة، فی حین استمعت لجنة البنتاغون الى خبیرٍ من مؤسسة "راند" الأمیرکیة بعد أحداث ٩/١١ وهو یصف المملکة بأنها "نواة الشر فی الشرق الأوسط".
ففی لبنان ، یسمى الملک المیت "فارس العرب" وخاصة عند الأطراف السیاسیة الموالیة للمملکة، وذلک لأنهم حطموا الأرقام القیاسیة باستفادتهم من سخائها. فی حین أنّه فی قاعات داعش، یتمّ الترحیب بوفاته کدلیلٍ على بدایة اضمحلال آل سعود. کما أنّ بن لادن نفسه کان یعمل على هدف تدمیر النظام الملکی بعد أن خسر جنسیته ، وربما رغب بالتاج الملکی لنفسه.
و یقول فیسک إنّ "عبدالله لم یکن نرجسیًا ولا شریرًا . ولم یکن مهرج مافیا مثل القذافی ولا قاتلًا کصدام . لکنه کان قادرًا على الانتقال من الشجاعة السیاسیة فی اقتراح السلام العربی «الإسرائیلی» ، إلى جنون حثّ الموالین له فی الولایات المتحدة على مهاجمة إیران .
کما أنّ الخوف السنی من توسع الإمبراطوریة الشیعیة ، دفع بالسعودیة الى دعم المتمردین الوهابیین" ، مضیفاً أنّ "داعش وطالبان هما نتاج العقیدة السعودیة". وتابع فیسک أنّ "عبدالله عرض مبلغ ٤ بلیون دولار على الجیش اللبنانی من المساعدات العسکریة الفرنسیة ، التی کان یأمل أن تستخدم للسیطرة على داعش وآلاف مقاتلی حزب الله على حدٍّ سواء ، إلّا أنّ الصفقة أُعیقت عندما اعترضت «إسرائیل» على شراء طائرات هلیکوبتر مجهزة بالصواریخ ، والتی ادّعت «إسرائیل» أنه من الممکن استخدامها ضدها" .
واضاف فیسک "کان فیلق المدافعین عن عبد الله کبیرًا، وکان عناصره یتقاضون راتبًا جیدًا فی الغالب، ولا بدّ أن نسمع منهم الکثیر فی الأیام المقبلة. سنسمعهم یتحدثون عن "حداثته" وتشجیعه تعلیم المرأة، وتقلیص حدیثه عن "فتاوى" الدینیة ، و منحه الحریة لمن ینتقد السعودیین. وفی الوقت عینه، یأمل هؤلاء المدافعون أن یتم سحب موضوع جلد المدونین من التداول فی الفترة المقبلة" .
و تابع فیسک "کان عبد الله یتخوّف من الثورات العربیة التی قامت فی العام ٢٠١١، إذ قام بإرسال قواته لسحق المعارضة الشیعیة فی البحرین فی حین وعد بتحویل حوالى ٣٠٠ بلیون جنیه استرلینی لمنح التعلیم، وتقویة البنیة التحتیة الجدیدة ، وإعانة شعبه الذی یعانی من البطالة وارتفاع أسعار المنازل."
و ختم فیسک متفائلاً بأنّ "العمر یبدّد النظام الملکی"، مضیفًا أنّ الثورة التی تهدد هذا النظام فی المملکة العربیة السعودیة لن تأتی من إیران ، ولا من الأقلیة الشیعیة فی المملکة العربیة السعودیة، ولا من الجماعات الوهابیة المسلّحة فی البلاد.. بل سوف تأتی من داخل العائلة الملکیة