زادت مؤخرًا وتيرة دعوات الانفصال من قِبَل أكراد العراق عن بغداد وتأسيس دولة كردستان المستقلة، وفي ٢٥ يناير الجاري أكد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني أن الشعب الكردي سيجري استفتاء من أجل تقرير مصيره. وأشار خلال لقائه وفد بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق إلى أن أي قرار سيُتَّخَذ سيتم طرحه في إطار المباحثات والحوار مع بغداد، وسيتم مناقشته معها سلميًّا وفق ما جاء في بيان صادر عن الحكومة، وجدد بارزاني التزام إقليم كردستان بالحوار والمباحثات من أجل حل المشاكل الداخلية والمشاكل القائمة بين الإقليم وبغداد.
وكان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني قد دعا الدول الكبرى إلى التوصل لاتفاق يعيد رسم حدود الشرق الأوسط بما يمهد الطريق أمام إقامة الدولة الكردية.
موقف الكيان الصهيوني من انفصال الإقليم
دعت وزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكيد إلى ضرورة الاعتراف بحقوق الشعب الكردي في إقامة دولته المستقلة على الحدود مع العراق وتركيا، مشيرة إلى أن تفكك الدول ينتج عنه تنظيمات إرهابية وتصاعد نفوذ إيران، خاصة عقب الاتفاق النووي الأخير؛ ما يدفع إسرائيل إلى العمل جنبًا إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية، وأضافت الوزيرة الإسرائيلية أن الاعتراف بحقوق هذه القوميات، خاصة الكردية، التي تفصل بين حدود عدة دول، مثل تركيا وإيران والعراق وسوريا، أفضل بكثير من الاستماع إلى منظمات حقوق الإنسان التي توجه الإساءة لإسرائيل.
ويرى سياسيون أن علاقة الكيان الصهيوني مع الأكراد يمكن أن تقوم على مبدأ “عدو عدوي صديقي”، فانتشار الأكراد باعتبارهم أكبر مجموعة عرقية في العالم بدون وطن قومي، بين دول تعادي الكيان الصهيوني ولا تسمح بقيام أي كيان كردي مستقل، كإيران والعراق وسوريا، يسهّل من وجهة النظر الصهيونية من توظيف هذه العلاقة في تحقيق المصالح الإسرائيلية بالمنطقة، خاصة لإضعاف الخصم عبر الانغماس في المشكلة الكردية، التي تعبتر واحدة من أكبر مشاكل الدول الأربعة التي تتقاسم الوطن الكردي (إقليم كردستان).
ولا تُعَدُّ هذه المرة الأولى التي يدعم فيها الكيان الصهيوني قيام دولة كردية منفصلة عن العراق، فهذه الإرادة الصهيونية أكدها الرئيس الصهيوني السابق شيمعون بيريز في رسالةٍ وجهها إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يقول فيها إنه لا يرى توحيد العراق ممكنًا بدون تدخل خارجي كبير، وإن هذا يؤكد انفصال الأكراد، خاصةً وأنهم أقاموا دولتهم من الناحية الفعلية وهي ديمقراطية.
تركيا وانفصال إقليم كردستان
يشكل النفط ركيزة أساسية للاقتصاد بإقليم كردستان العراق. وتشير تقديرات اقتصادية إلى احتواء الإقليم على أكثر من ٤٥ مليار برميل بترول من الثروة النفطية للعراق، ثالث أكبر منتج للخام الأسود في العالم.
ويصدر كردستان العراق نحو ١٠٠ ألف برميل نفط يوميًّا عبر ميناء جيهان التركي، وأثار تصدير هذا النفط مشكلات متكررة بين أربيل وحكومة بغداد، وفي عام ٢٠١٣ أسس إقليم كردستان وتركيا أنبوبًا خاصًّا بهما لتصدير النفط إلى أوروبا عبر ميناء جيهان التركي.
مراقبون سياسيون قالوا إنه في حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أبلغت الحكومة التركية، برئاسة رجب طيب أردوغان آنذاك، مسعود بارزاني أنها ستؤيد قيام دولة كردية مستقلة، في حال ما إذا كان الخيار الوحيد أمام الأكراد لمواجهة سياسات المالكي،. ورأوا أن وراء تأييد حكومة حزب “العدالة والتنمية” في أنقرة لدولة كردية مستقلة برئاسة بارزاني سببين جوهريين: الأول يتعلق بالاستراتيجية التركية الإقليمية. فقيام دولة كردية سيسهم في إضعاف النفوذ الإيراني داخل العراق وإقليم كردستان بشكل خاص.
والثاني متعلق بالمشهد السوري؛ حيث تعتقد حكومة أردوغان أن قيام دولة كردية يمثل أمرًا حيويًّا لاحتواء المشكلة الكردية الإقليمية، التي ستتصاعد وفقًا لتبعات الملف السوري. كما يمكن لتركيا أن تجد في الدولة الكردية المستقلة شمال العراق منطقة استقطاب لمشكلة الأكراد داخل تركيا؛ ما يترتب عليه إنهاء العمل المسلح لحزب “العمال الكردستاني” برئاسة عبد الله أوجلان، والذي كلف الدولة التركية الكثير من الأعباء الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
الأكراد وحلم الانفصال
سعى أكراد كردستان العراق لاقتناص الفرص للانفصال عن العراق، لكن وفق شروطهم المتمثلة في ألا يكون هناك انفصال عن العراق دون مدينة كركوك؛ فهم يعتبرونها عاصمة الإقليم، كما أنها من أهم المناطق العراقية الغنية بالنفط. وفي ٢٠١٤ أصبحت حقول نفط كركوك تحت قبضة إقليم كردستان. وتبرر حكومة إقليم كردستان استيلاءها على محافظة كركوك بأنها أنقذت المحافظة من طموح داعش للاستيلاء عليها، فيما تقول الحكومة المركزية في بغداد إن دوافع أربيل للسيطرة على كركوك تعويض نقص المخصصات المالية للإقليم، عبر زيادة تصدير النفط إلى تركيا.
ملامح إقليم كردستان تغيرت بشكل كبير منذ بدأ داعش السيطرة على مدينة الموصل شمالي العراق منتصف ٢٠١٤، حيث فرضت قوات البيشمركة التابعة لإدارة الإقليم هيمنتها على مدينة سنجار، وضمت محافظة كركوك الغنية بالنفط، بعد أن كانت تابعة لسيطرة الحكومة في بغداد.
مهد ضمُّ كركوك الطريق أمام قدرة الإقليم الكردي على الانفصال، بالإضافة إلى أن التغيرات الساخنة التي تشهدها الساحة الإقليمية والعالمية أخذت تمهد الطريق أكثر فأكثر، حيث قال مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان: أعتقد أن القادة في الغرب وصلوا إلى قناعة بأن عصر سايكس-بيكو قد انتهى.
يذكر أن الأكراد يعيشون في شمال العراق منذ فترة طويلة تمتد إلى الحقبة السومرية، وهي ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي يعيش فيها الأكراد، فهناك أكراد في سوريا وإيران، بالإضافة إلى تركيا التي يوجد فيها أكبر عدد من الأكراد، حيث تشير المعلومات إلى أن عددهم يصل إلى ١٩ مليون نسمة، ويقيم الأكراد في العراق بإقليم كردستان وعاصمته أربيل.
وحمل إقليم كردستان العراق اسم منطقة الحكم الذاتي الكردية منذ عام ١٩٧٩، حيث وقع رئيس النظام البائد صدام حسين، والذي كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي، وممثلون لزعيم المتمردين الأكراد وقتها مصطفى البارزاني على اتفاقية أنهت سنوات من الحرب بين بغداد والأكراد.، وفي عام ٢٠٠٥ تحولت منطقة الحكم الذاتي الكردية إلى الاسم الحالي “إقليم كردستان العراق”، الذي أصبح له علم ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان خاصة به، وأصبحت اللغة الكردية رسميًّا ودستوريًّا اللغة الثانية في العراق بعد اللغة العربية.