عرف الإنسان السحر منذ فجر الحضارة وتشير بعض المخطوطات والآثار القديمة إلى استخدام الإنسان السحر للشفاء وجلب الإمطار ومقاومة الأعداء. وقد ذكر الله تعالى السحر في محكم كتابه الكريم (وما هو بقول ساحر) أو(إن ما جئتم به السحر أن الله سيبطله) وبيّن أن البعض يستخدم السحر في الإعمال الشريرة من اجل تفريق الزوجين وإثارة المشاكل وغيرها. وفي العراق ينتشر الدجالون والدجالات من قارئي الكف والعرافين الذين امتهنوا هذه المهنة للاتجار غير المشروع واللعب بمشاعر المواطنين البسطاء وإشاعة روح الشر والشعوذة، وتمارس المهنة بالسر في البلاد، فبعض العرّافات يفضلن الحضور الشخصي لمنازل الأسر؛ حتى لا يعرف مقرهنّ الرئيس، ولا يكتشف أمر تجارتهنّ، وتفضل بعض العرافات القراءة في منازلهنّ الخاصة، .. ولما كانت المرأة عاطفية بطبيعتها فقد انتهز أولئك اللصوص الفرصة فأقنعوا النساء بترهاتهم وأكاذيبهم فكانت النساء زبائنهم الدائمية التي تشبع جوعهم ونهمهم حيث ترى العديد من النساء تتداول أرقام العرّافات وقارئات الفنجان والكف والورق، وما إن تطلب عينة منهنّ، حتى تظهر واحدة من أصل عشر على الأقل تعرف أسماء وأرقاماً لهنّ وعناوين منازلهنّ. وتنفق النساء مبالغ طائلة على العرّافات ومدعيات العلم مع اختلاف الأسباب والدوافع.
الخرافات والوصفات السحرية
الإنسان بغض النظر عن جنسه وعرقه وأصله وفصله ومكانه على الأرض يؤمن بما وراء الطبيعة (الميتافزيقا) من قوى خارقة غيبية لها انعكاسات ومؤشرات على حياته ، ويتفاوت هذا الإيمان بها، من إنسان لإنسان، وذلك لأنها من الموروثات الفكرية لأجيال سابقة، تناقلتها جيلاً بعد جيل، الخرافات تحتل الرأس العربي بكباره وشبابه ونسائه، اذ لا يوجد عربي إلا وبعض الخرافات مختزنة في عقله ورثها كما يرث المال والعقار، ولا يستطيع احد أن ينزعها من عقله فقد عششت في دماغه وباتت عقيدة ومبدأ من الصعوبة بمكان أن تغادره، وكل ايديولوجية لها أوراقها الخرافية التي يلعب بها الكبار للحفاظ على الرعية من الانفلات ومن ثم الاستقلال.
وكل قطيع لهم راع يحافظ علي التماسك الداخلي عبر مخدرات الأوهام، ومورفين النصر للحفاظ على الكيان المأخوذ نحو الوهم والضياع والخراب.
سر ولع الناس بالخرافات وأسرار ما وراء الطبيعة هو رغبتهم في معرفة أقدارهم سواء كانت جيدة أم سيئة وممن يأخذونها ، من الجهلة وسقطة الناس وطلاب الشهرة والجاه والمال أصحاب الحيل والشطارة في الضحك على ذقون الناس وابتزاز أموالهم فهم لا ضمائر لهم ولا أخلاق ، وهم أبعد عن الناس عن معرفة الله والخوف منه .
هؤلاء الذين يتسمون بالشيوخ ويتشحون السواد في أفكارهم وخزعبلاتهم وملابسهم والعصابات المشدودة على جباههم التي لا تعرف السجود لله ، وإنما لشياطينهم من الإنس والجان.. وليس أدل على ذلك وكما ورد في أحد التقارير أن العالم العربي ينفق من ٥ - ٧ مليار دولار سنوياً لفك السحر وجلب المحبة وإيقاع الضرر بين الناس، ولعمل الحظوة ولدفع الأذى، وحب السيطرة ونزعة الشر، وجلب المال والجاه ، والنجاح في العمل والحياة!!
ومثلما يشهد هذا العصر طفرة في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي فإنه يشهد في الوقت ذاته عودة للخرافات والخزعبلات والشعوذة والسحر والدجل وأسرار ما وراء الطبيعة.
صفة سحريّة
السيدة (رشا) – معلمة - قالت "في العام الماضي حدثت بيني وبين زوجي مشاكل لم اعد بإزائها أطيق العيش معه والسبب هو عدم انجابي للأطفال. نصحتني إحدى جاراتي بالتوجه إلى عرافة مجربة، وذهبت فعلا بعد ان تصورت انني سأجد لديها وصفة سحرية تعيد المحبة الى قلب زوجي ويصبح لدي بتأثيرها بعض الأولاد، إلا أنني خرجت منها بـ (خرزة) لجلب المحبة مقابل مئة ألف دينار. هذا المبلغ يعتبر زهيدا جدا امام المبالغ الخيالية لأسعار الخرز الملونة الأخرى التي يتراوح سعر أرخصها ثمنا خمسمئة ألف دينار. وقد فرحت كثيرا بالتغيير المفاجئ الذي اعترى زوجي بعد حملي للخرزة إلا أن مفعولها لم يستمر أكثر من يومين فعاد زوجي إلى ما كان عليه، فعدت أدراجي إليها وطلبت منها أن ترجع المبلغ الذي سلمته لها مقابل الخرزة فرفضت ذلك مؤكدة أن نصف المبلغ ذهب للختم إي أن الخرزة ختمت باسمي، أما النصف المتبقي فسيخصص (لتطليق) الخرزة مني، وهذا يعني وحسب قولها يستلزم ستة أشهر لكي تعود الخرزة كما كانت قبل أن تسمى باسمي. عندها فقط أيقنت أنني خرجت من المولد كما يقولون بلا حمص وبلا مال أيضا، وأنني على خطأ وان زيارة العرافة ليس هو الحل بل بالتفاهم مع زوجي فقط".
بيّاع كلام
تقول (ايمان) - خريجة كلية الإدارة والاقتصاد- "طرقت كافة الأبواب ، وما أن تشير عليّ أحداهن باسم ومكان العرافة حتى اذهب إليها ولو كانت في أماكن قصية ولكن دون جدوى. بيد أني أدركت بعد كل هذه السنين أنني كنت اركض خلف السراب وان العرافات مجرد (بياعات كلام) لا هم لهن سوى نهب النقود مني ومن غيري من اللواتي طفح بهن كيل المشاكل والظروف الصعبة. والحال أن مفردات جميع العرافات متشابهة، فهن يعرفن ماذا تريد الفتاة أن تسمع، ويكسبن المال من ملء آذانهن بآمال كاذبة وأحلام لا وجود لها إلا في خيال كل فتاة وامرأة". وتضيف "زرت أحداهن وهي صاحبة صالون في وقت كنت فيه محاصرة بسيل من المشاكل التي تصورت أنني سوف لا أجد لها مخرجا إلا مع هذه المرأة. وقد باعت لي الأوهام واشتريتها لقاء ربع مليون دينار، ولم تحل كافة المواد التي طلبتها مني من بخور وقماش وماء ورد أية مشكلة من المشاكل التي واجهتها".
الخرز والوجاهة !!
أما سهام (٤٠ عاماً) فتقول بأنها صدقت كثيراً بالأحجار، حتى وصل بها الأمر أن تأخذ بعض الأحجار من متجر مشهور بمبالغ تصل إلى الآلاف، لرغبتها في أن تحصل على الوجاهة ومحبة الناس، وقالت “شعرتُ بأنني ضعيفة الشخصية، ولا أستطيع مواجهة الناس، وأوحت لي الخرزات التي أخذتها بأنني أصبحت أقوى”، وتؤكد بعد مرور السنوات أن ما حدث لها مجرد إيحاء لا أكثر، فالخرزات رميت منذ سنوات في القمامة.
النصّابة والنصيب !!
تحكي امرأة وتقول إلي إحدى صديقاتها ساردةً حكايتها مع "السحر" و"الساحرات" في كل عطلة تعودت أن أسافر مع أهلي إلى دولة شقيقة وهناك رأيت العديد من ضاربات الرمل وقارئات الكف والفنجان, وكنت واحدة من اللواتي استهوتهن تلك الخرافات, في ذلك الحين كان عمري ١٨ ربيعاً وعندما ضربت احدى المشعوذات الرمل قالت لي يلعن ابو عيونهم العمياء عنك, لكن ما ألومهم في من عاميهم عنك, قلت لها "شلون", قالت، محسودة يا بنتي ولكن هؤلاء الحاسدين مقدور عليهم, قلت كيف, قالت خذي هذا الخيط احرقي طرفه وضعي رماده على كفك وانفخيه ساعة الغروب وقولي هبه وهبي ادخل عيونهم واحرقها ثلاث مرات ومن بعدها مدي كفيك وقولي تعال يا صاحب النصيب, وعندها سيسمعك صاحب النصيب اللي تتمنينه ويأتي قبل أن تنتهي حرق هذا الخيط . تقول: في البداية استهوتني هذه التعويذة حتى ملكت لبي ونفذت كلامها بحذافيره وانتهى الخيط ومر على انتهائه تسعة أعوام حتى جاء صاحب النصيب الذي قدره الله لي وليست العرافة, وما تندمت عليه منذ أول شهر بعد نفاد الخيط هو ذلك المبلغ التي ضحكت عليّ به, وأنا احذر الإخوة والأخوات من الوقوع في براثن ومخالب هؤلاء وعلى الإعلام ان يجنّد جهده من خلال نشرات توعوية صغيرة تحذر المسافرين من الوقوع في الحرام عن طريق السحرة والمشعوذين والعرافات الذين يدّعون علم الغيب ويشركون بالله الواحد الأحد.