لقد حدّثنا التاريخ وأخبرتنا التجارب وأصبحت من البدهيات التي لا يختلف عليها إثنان إن في الوحدة عزّة وقوة ومكانة ما بين الوجود ، وقد أكد المولى عزة قدره حيث قال ( وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها ....)...(١) كما أكدت عليها السنة الشريفة حيث قال رسول الله (ص) ( يد الله مع الجماعة )..(٢) ، كما أكدت على الوحدة والجماعة غريزة البقاء لهذا نلاحظ أغلب القطعان تسير على شكل جماعات لكي ترهب الأعداء وتساعد بعضها بعضا ، وهذا ما يفعله الأنسان غريزياً في التجمعات التي يكوّنها إن كان في البادية أو في الريف لكي يحصل على الكثير من المنافع في مقدمتها الحماية والدفاع ، أي فكرة التجمع والوحدة قد فرضتها علينا الشرائع السماوية والوضعية والغريزية لكي يحافظ الكائن الحي على حياته ووجوده وخصوصاً إذا كانت الظروف التي تحيط بالمجموعة غير مستقرة ويتربص بها العدو من كل مكان كما هو الحال في العراق وشعبه ، إن التغير الكبير الذي حدث في العراق قد فصل المجتمع العراقي الى ثلاث مجاميع ولو بشكل وهمي ، مجموعة تريد الأنفصال وتتأمل في تكوين دولتها الموعودة حتى ولو بعد حين وهذا ما يصرّح به أغلب قياديّ التحالف الكردستاني وحتى الطلباني الذي كان يخالف البرزاني في وقت طرح فكرة أعلان الدولة ولكنه صرح قبل أيام بحتمية إعلان الدولة لأنها الهدف الذي نناضل من أجله ولكنه يحتاج بعض الوقت ، أما المجموعة الثانية ممن يتباكى على قيادة العراق الذي خسره بعد حدوث التغير العظيم وبناء الدولة الديمقراطية وهو يلهث الأن خلف كل من يعطيه الأمل في العودة الى الماضي لذا نلاحظ الكثير من أتباعه يتواجدون خارج العراق أكثر من الداخل بالرغم من سيطرتهم على أعلى المناصب في الدولة ولكنهم في حقيقة الأمر يريدون كل المناصب بما فيها رئاسة الوزراء ، وقد دعم هذه المجموعة كل المحيط العربي وخصوصاً قطر والسعودية بالإضافة الى تركيا ، وهؤلاء يريدون قلب العملية السياسية رأساً على عقب لكي يبعدوا الأغلبية عن قيادة العراق ويرجعوها مظلومة مضطهدة كما كانت لمئات السنين ، أما المجموعة الثالثة وهي التي تمثل الأغلبية الشيعية ومن لحق بهم من الوطنين من جميع طوائف العراق ومذاهبه وقومياته ، الذين يريدون من العراق الجديد أن يكون ديمقراطياً والجميع سواسية في خدمة العراق الذي يختار من يقوده عبر صناديق الإنتخابات ، وقد توّحدت أهداف وغايات كل من الكرد والمجموعة الثانية المتباكية على الأرث المنقرض لكي يضغطوا على الأغلبية الشيعية ومن ألتحق بهم من الوطنيين حتى يحصل كل فريق على ما يبغي عليه ، فالكرد يريدون الحصول على أكبر المكاسب قبل إنفصالهم ويتوعدون ويهددون بالإنفصال إذا لم يحصلوا على ما يريدون ، ولكنهم سينفصلون إذا حصلوا أم لم يحصلوا فالأمر سيان عندهم لأن هدفهم الحقيقي الدولة الموعودة ، أما المجموعة المتباكية فغايتهم الحقيقية العملية السياسية برمتها وليس ما يدّعون من تهميش أو إقصاء لأن الواقع يكذّب كل إدعاأّتهم فهم الذين يسيّطرون على أعلى مناصب في الدولة بالإضافة الى علاقاتهم العلنية مع أعداء العراق وعمليته السياسية فهل السعودية تريد بعض الإصلاحات الأم قطر أم تركيا ذات المطامع العثمانية الطائفية ، ولكن العراق الجديد الذي أوسس على الديمقراطية وحكم الأغلبية جعل هذه المجاميع يستحيل عليها الحصول على ما تبغي عليه إلا إذا تصدع التحالف الوطني وحدث فيه بعض الأنشقاقات التي قد تجعله أقلية ، ولكن المعانات والتضحيات التي قدمها مكوّني التحالف الوطني يجعل هذه الإنشقاقات بعيدة عن الواقع إلا إذا خُدع بعض أعضاءه أو قدم له بعض الإغراأت من يريد تفتيت الأغلبية والأستحواذ على السلطة ، أي لا يمكن لأي قوة أن تبعد الأغلبية الشيعية عن قيادة العراق إلا إذا خرج جزء منه وطعنه في الخلف عندها سيتحقق ما يصبوا إليه كل من الكرد والقائمة العراقية ، إن إجتماع أربيل الأخير لم يكن له أي أهمية وخطورة لولا حضور سيد مقتدى معهم ، الذي يظن بحضوره معهم سيحل المشكلة ويعيد الجميع الى حضن العراق الديمقراطي , ولكن التجارب العملية أثبتت أن كل مجموعة مصرّة على غاياتها وأهدافها وما أعذارهم إلا للحصول على أكثر المكاسب بالنسبة للكرد قبل الإتفصال وإعلان الدولة وتفتيت الأغلبية والوصول للسلطة بالنسبة للعراقية ، وسيضيع التيار الصدري ما بين دولة الكرد وأطماع المتباكين على عودة حزب البعث للسلطة من جديد ، ولكن هذا الضياع الذي سيعانيه التيار الصدري سيؤدي الى ضياع الأغلبية ورجوع الدكتاتورية العفلقية الحجاجية من جديد وحينها لا ينفع الندم ، ولايمكن لنا أن نصرخ وننادي بمظلوميتنا فالعالم جميعه لا يملك الأذان التي تسمع صراخ المظلومين كما هو الحال مع صراخ شعب البحرين الذي ينادي بجميع مكوناته لأكثر من سنة ولكن لا حياة لمن تنادي ،عندها سنقول لولا التيار الصدري لما أضطهدونا أو سجنونا أو قتلونا كما قالت الشجرة لم أقطع لولا يدّة المعوّل من أغصاني.
(١)سورة آل عمران أية ١٠٣ (٢) المبسوط – السرخسي ج١ ص