ولوقتٍ قريب كان العراق ومؤسساته الصحية مثار اهتمام وتقدير الكثير من دول العالم ودول الجوار ومرضاها الذين كانوا يشدون الرحال والآلام والآمال الى بغداد والبصرة وغيرها من المحافظات العراقية الغالية، والتي كانت لكلّ منها علامة فارقة في عالم الطب والتمريض لكنّ الايام ادارت ظهرها لهذه الصروح الطبية ولم يعد شارع المشجر وساحة النصر أمل المرضى والمتعبين والمهمومين وليس باستطاعة مدينة الطب ان تتحدث عن انجازاتها وفقد مستشفى ابن الهيثم وابن البيطار معجبيه ورواده، ولا يختلف الأمر كثيرا في المستشفيات الخاصة لانها بقايا أطلال ومواقع لخردة من الأجهزة الطبية
البالية ومراكز للتسليب العلني.
والحديث عن الوضع الصحي حديث عن كل مرافق الحياة اليومية المتخلفة في العراق لكن الوضع الصحي له أولوية التشخيص والاهتمام لأن له تماس يومي وآني بحياة المواطن العراقي الذي أتعبته الحروب والإرهاب والقتل والصراعات والأحزاب والكتل الكونكريتية والسيطرات الامنية.
والشيء الغريب هو استمرار تردي الواقع الصحي واستمرار الحكومات المتعاقبة على تجاهل هذا الملف الحيوي والمهم والذي لا يقل عن أهميّة الماء والهواء والغذاء فعلى مدار(٩) سنوات من عمر التغيير لم نشهد صرح طبي واحد يرتفع على انقاض المستشفيات البالية ولم نجد طبيبا واحدا من ذوي الاختصاص قد شد الرحال الى بغداد او أيّ محافظة اخرى، بل وجدنا ان عشرات الاطباء قاموا بهجرة عكسية تركوا العراق ومؤسساته الصحية مرتعاً للفئران والجرذان والكلاب السائبة لعدم وجود الاهتمام والحماية الكافية، بل ان بعض الاطباء المشهورين ممن ارتفعت في رؤوسهم غيرة حب العراق والوطنية فرَ راجعاً الى بلاد الرافدين واستجابة للوعود الكثيرة التي أطلقتها الحكومة بتوفير كافة احتياجات أصحاب العقول النيرة، لكنّ الذي حدث ان هؤلاء عندما وصلوا الى العراق لم يجدوا من يسأل عنهم او يفسح لهم المجال لتقديم خدماتهم فلعنوا الوطنية والمحاصصة وحكومة الشراكة الوطنية واقفلوا راجعين.
ليس صحيحاً ان تكون الهند والأردن وجيبوتي والصومال املاً وملتجأ لابناء العراق للاستطباب والبحث عن الاستشفاء فيها ونحن من علم العالم مهنة الطب.
الشيء المؤكد ان الواقع الصحي في العراق يحتاج الى وقفة حقيقية وسريعة من قبل الحكومة تتمثل في بناء المستشفيات الحديثة وشراء الاجهزة الطبية المتطورة والتعاقد مع افضل الاطباء في العالم وتوفير الدعم والرعاية والحماية للاطباء العراقيين المنتشرين في دول العالم خاصة في الدول المتطورة للاستفادة من خبرتهم ولتدريب الكوادر المبتدئة وكذلك الاستفادة من البعثات والانفتاح الذي يشهده العراق على دول العالم بالاضافة الى تسليم الوزارة لطبيب اداري ماهر ومنحه الصلاحيات والاموال الكافية وليس منح الوزارة لطبيب بيطري، لأننا لسنا بهائم حتّى نحتاج لمن يساعدنا على تقليم حوافرنا او توفير العلف لنا؟.
لا اعتقد ان الامنيات والدعوات والكتابات كافية لتغيير الوضع الصحي في العراق اذا لم تكن هناك ارادة حقيقية لتغيير الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق بكل محافظاته واقضيته ونواحيه وقراه وقصباته ، علماً ان تغيير هذا الواقع لا يحتاج إلاّ الى قرار شجاع وتخطيط صحيح لان الاموال كثيرة وهي نهب لكل من هب ودب.
ارسلت يوم أمس تعليقآ على هذا الموضوع ولم ينشر
آمل ان لا تكون سياسة الموقع عدم نشر ما يخالف قناعاتكم وشكرآ