توجد في العراق ظاهرة مخضرمة هي إنتشار ظاهرة الفقر وإستفحالها بصورة كبيرة، ففي زمن النظام البائد وبسبب سياسته الديكتاتورية الشمولية التي نتج عنها الحروب والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ... حيث إنتكست المستويات المعاشية للعائلة العراقية وخاصة في فترة الحصار الإقتصادي بعدما كانت العائلة العراقية تتمتع بشيء من الرفاهية والمستوى الإقتصادي الجيد وخاصة في أوساط الطبقة الوسطى في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، واستمرت معدلات الفقر في تزايد مستمر بسبب السياسة العرجاء إلتي إتخذها رئيس النظام المخلوع لبناء دولته الشمولية وجعل نفسه الزعيم الوحد في البلاد.
بالإضافة إلى الحصار الإقتصادي الذي أثقل كاهل المواطن العراقي، عمل النظام السابق على تطبيق سياسة التجويع فضلاً عن سياسة الحكم بالحديد والنار لقمع أيّ محاولة لقلب نظام الحكم في بغداد، حيث عن طريق هذا الإسلوب يتم نقل تركيز المواطن العراقي من التفكير في الإمور السياسية إلى التفكير في الحاجات الأساسيّة من أمور المعيشة وصعوبة الحصول على الغذاء والدواء والحاجات الأخرى الضرورية لكلّ إنسان على وجه البسيطة.
ومن مصاديق سياسة التجويع إستخدام وسيلة تقليل رواتب الموظفين بحيث إصبح لايسد حتّى تكاليف النقل للموظف من وإلى الدائرة التي يعمل فيها، وكذلك السيطرة الكاملة على إقتصاد البلد.
أمّا الآن وبعد مرور تسع سنوات على سقوط النظام ولنكون منصفين يمكن أن نقول إن بعض التحسنات قد طرأت على المستوى المعاشي للفرد العراقي وخاصة بعض الموظفين الذين تم تعديل رواتبهم وتحسينها، إلاّ أنّه ماتزال هنالك فئات كبيرة من المجتمع العراقي تعاني من سطوة الفقر والجوع والحرمان ، وان هذه الفئات نفسها بقيت تعاني الى يومنا هذا كما تشير تقارير وزارة التخطيط بأن المحافظات الاكثر فقراً ومعاناة وحرماناً واهمال هي (المثنى وميسان وذي قار والديوانية ) وان هذه الظاهرة في المحافظات المذكورة مخضرمة ولم تعالج حيث ان نسبة الفقر تترواح من ٤٨ % و٥٦% .
ان نسبة الفقر تتفاوت ما بين المحافظات ففي حين يعد اكثر من٥٠% من سكان بعض المحافظات فقراء ، فان نسبة الفقراء في محافظات اخرى تقل عن ١٠ % كما في محافظات اقليم كردستان.
لاشك ان الفقر يعتبر من اهم اسباب انتشار الجرائم كالقتل والسرقة بسبب العوز ، كذلك هو سبب في انتشار الجهل حيث ان الكثيرون بسبب نفقات الدراسة التي لا يقوى المواطن الفقير على مصاريفها، والفقر يسبب الانحراف مثل الزنا لدى الشباب لانهم عندما لايملكون فرصة عمال ولا مصاريف الزواج يلجئون الى الانحراف فالفقر هو هو سبب رئيس للانحراف أيّ انحراف كان، وصدق الامام علي(ع ) حين قال:( الفقر رأس كل بلاء).
القضاء على ظاهرة الفقر مسؤولية الحكومة، فرغم الميزانيات الضخمة في السنوات الأخيرة لم تبادر الحكومة العراقية أو تسعى لوضع ستراتيجية لتخفيف من هذه الظاهرة على الاقل، بل انها تساهم في تفاقم الظاهرة والامثلة كثيرة فالحصة التموينية لم تعد تصل الى المواطن العراقي وان المواد المستوردة من مناشئ رديئة وتسعى الحكومة الى الغاءها والكل يعرف الفساد الموجود في وزارة التجارة منذ فترة فلاح السوداني!، وان التلاعب بالحصة التموينية وعدم ايصالها للمواطن وخصوصاً العوائل العراقية التي مستواها المعاشي هش جعلها تقع و تعيش في براثن الفقر المدقع طبقاً لنتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأُسر العراقيّة.