كانت سنة نوعية فعلا وبامتياز في تاريخ عالمينا العربي والاسلامي، واذا وقفنا بتأمل على اهم احداثها واستحقاقاتها واثارها فعلينا ان نعيد قراءتنا لما يجري بل علينا ان نتلمس قراءة جديدة للواقع وباحرف وقواعد قد تختلف كليا عن طريقة قراءتنا السابقة، ويفرض علينا ان نرسم افاقاً للمستقبل وتوقعاته بشكل اخر.
الحدث الاول الكبير: استمرار الربيع العربي، الربيع الذي استمرت احداثه من سنتنا قبل الماضية ليتفاعل في سنتنا الفائتة بازاحة رئيس عتيد ونظام متمرس وقوي بحساب قدرته العسكرية والمالية استطاع تغييب شعبه عقوداً طويلة، كما انه استطاع ان يشتري سكوت العالم على جرائمه عقوداً طويلة مستفيداً من تجربة سابقيه كصدام.
ونجد فيها ايضاً بداية زعزعة نظام اخر ما زال متماسكاً ويحتفظ بقدرته العسكرية الخاصة رغم مساعي اشقائه العرب على ازاحته وبشكل محموم وغريب.
وفي صفحة اخرى نتابع باكبار ارادة شعب صمم على رحيل رئيسه الذي واصل بالكذب والقسوة للاستمرار بالحكم والتسلط.
الجميل في هذه الصورة هو السعي الحثيث لهذا الكذاب الاشر في اشعال حرب طائفية او لتسليم الحكم بشكل لا يخرج من يدي مريديه.. واسياده.
ويبقى البحرين هذا الشعب الاعزل الذي قرر الجميع صم اذانهم عن سماع صيحات نسائه ورجاله واطفاله، هذا الموقف يذكرنا بموقف مشابه للعالم من شعب العراق الأبي ايام محنته مع جلاده، وكأن العالم الحر لا يسمع الا على موجة خاصة مشفرة مرموزة وفي لحظة استفاق على تقرير لجنة بسيوني.. لكن ما ننتظر ما بعدها!!.
ان استمرار ما يسمى بالربيع العربي من هز انظمة عنيدة وعتيدة يجعلنا نعتقد انها قد تصل الى اولئك الذين يعتقدون ان اموال البترول سوف تعصمهم من تسونامي وامواج الجماهير التي نزعت الخوف من قلوبها لتعيش كما تعيش شعوب جيرانها بكرامة وحرية ومسؤولية في رسم مستقبلها وبناء نظامها السياسي.
ان استحقاقات الربيع العربي الذي دوّخ الجميع في تحليله، واكتشاف اسبابه.. ولم تصدق على تفسيره كل المقولات المتعارفة، كمؤامرة امريكية، موجة مؤقتة، لعبة من قبل الحكام، عاصفة قابلة للاستيعاب وما شابه.
اننا امام استحقاقات حقيقية وفرص تاريخية في اعادة بناء الانظمة العربية والدخول في معركة صناعة الدستور الذي يكتبه ممثلو الشعب وبقرار منهم، انها ملحمة عظيمة وعميقة وتاريخية ترفع من وعي الامة. وتجعل من الشعب سيداً ومن الحكومة خادمة او اجيرة، انها تشبه بملحمة كتابة الدستور العراقية والمناقشات الواسعة التي دارت حوله والحوارات والاشكالات التي رافقته وجعلت الشعب الذي لم يعرف ما هو الدستور يتحدث بفتيانه عنه ويطرحون وجهات نظرهم حوله.
ان ملحمة كتابة الدستور وما يلازمه من حوار وجدال، ونقاش سوف يصنع امة جديدة ونظاماً لا تسقطه مؤامرات تحاك بليل وبقدر اصابع اليد، كما حدث في البلدان العربية وغيرها، ان ملحمة كتابة الدستور واشتراك الناس فيها، يجعل كل بندٍ فيه معجونا وراسخا في اذهان الصغار والكبار، وولى ذلك الزمن الذي تستورد فيه الدساتير او تكتب في مطبخ مظلم او في اروقة الخواص والنخب، انها ملحمة جديدة بعد ملحمة الربيع وانطلاق ريح التغيير، سنشاهد فصولها في سنتنا الحالية بعد ان بدت ولادتها في نهاية هذه السنة، وعلينا الرصد، وتذكر تجربة العراقيين والاستفادة منها ومعاناتهم خصوصاً وانهم لم ينتهوا من دستورهم بعد بل ما زالوا يتحاورون حوله ويتناقشون فيه ويبدو انهم لن يتركوا هذا النقاش لانهم وكما وصفهم من خبرهم وعرفهم انهم اهل رأي وعقل ونقاش.
اما الاستحقاق الثاني في هذا الربيع الذي سوف نشاهد فصوله الاخرى في عامنا القادم هو بروز الاسلام السياسي الذي كافح وناضل عبر عقود طويلة حتى شاخ. ليجد نفسه اليوم اكثرية في مجالس التشريع، ويمسك بالسلطة من عنقها، ويملأ الشوارع ودوائر الدولة بأبنائه ومريديه وهم الاكثرية، وتتسابق وسائل الاعلام لمتابعة نشاطهم وتحركاتهم وتصريحاتهم.
إنَّ الاسلام السياسي ـ الحركة الاسلامية، التيار الاسلامي سمّه ما شئت.. هو اليوم يقود الساحة العربية..
ويجري عليه من التشكيك والتدليس ما جرى على من سبقه ممن استلم السلطة في بلدان قبله.
ان تغيير الانظمة في المنطقة اصابها شبهة حين ساهمت يدٌ اجنبية في تغييرها بدعم عسكري واقتصادي ملحوظ.. وقد لا تختلف الحالة كثيراً عما جرى من تدليس وتشابك وتشويه لارادة شعب قدم الملايين قرابين في طريق حريته وكرامته.. والعقل العربي بحاجة اليوم الى اعادة ترتيب لأولياته وثوابته.. خاصة وانه كان متناقضاً مع نفسه في رفض التدخل في مكان والترحيب به في مكان اخر من ارض العرب الكبيرة.
وكما تلبس الحق وتُدلّس للنوايا الطيبة للجماهير بتدخلات القوى العالمية وتشابك مصالح الكبار فانه يجري اليوم مع هذه الثورات كما جرى مع انتفاضة ابناء العراق وثوراتهم وعطائهم في مواجهة الاستبداد والدكتاتورية وسعي الاخرين في الهيمنة عليها والتدخل فيها جعلت الاعلام العربي يطبل ويزمر للمستبد.. لكننا نجده اليوم وبالضد من موقفه السابق يطالب بتدخل الاجانب ويبرره وقد يفتخر به.
والجميل الغريب في ذات الوقت ان العراقيين بعد ان خبروا الآثار السيئة للتدخلات الاجنبية اصبحوا اكثر حساسية من تدخل الاخرين حتى ولو اتى تحت عناوين مقدسة، كالانقاذ وحقوق الانسان واصبح اولئك الذين لعنوا العراقيين ليل نهار يغضون الطرف عن نصائح اخوانهم العراقيين. وسبحان مقلب الاحوال، فالظلم والتعسف والاستبداد، قد يضّيع مقاييس ويبدل عقولا.
لكن المهم ان الغرب اخذ درساً من العراق ولم يورط نفسه بالمستنقع الذي وقع بدخوله للعراق، واكتفى بالدعم اللوجستي او الجوي دون ان يكون بديلاً عن حركة الشعب.
وهنا فنحن امام تجربة اخرى، هل سينجح فيها الاسلاميون ويتجاوزون التحدي الكبير الا وهو النجاح في ادارة السلطة والحكم، ام ستفسدهم السلطة فيختلفوا وينشقوا، وتفسدهم الاموال فيتركوا ميدان الجماهير، أم هل ستجرهم عقائدهم الى صراعات داخلية أو مع الاخرين، هل ستسير تجربتهم بروح جديدة شجاعة، ام ان الناس هم الناس والحكام هم الحكام مهما تبدلت الالوان والشعارات والعقائد؟
ان الشعب صنع فجره الجديد، لكن هل سوف يستمر بنجاحه حتى يصل الى نهاره السعيد.
ان الحركة الاسلامية اليوم امام طور جديد وتحدٍ كبير، خصوصاً وان سيناريو الحرب على الاسلام باعتباره سبباً للارهاب لا يزال قائما ومتجليا في حروب واعتداءات، أوما لحقه من ثقافة حقد واحتقار للمسلمين وعقائدهم. شارف على نهايته بعد ان ادت ما هو مطلوب منها، وذلك بعد مقتل بن لادن بطريقة سرية غير معروفة، كما كان بروزه بطريقة مشبوهة، واذا بنا امام سيناريو جديد يسعى بادخال المنطقة في دوامة اخرى جديدة اسمها الارهاب النووي الايراني المهددة لاسرائيل ومن يقف خلفها. و كيف ستنتهي هذه الدوامة، علينا متابعة فصولها في عامنا القادم.
الامر الاخر المهم، في سنتنا هذه ، جماهير (wall street) وحضورهم في المشهد السياسي، فهل هي صحوة ام غضبة ام موجة ربيع آخر أم هي حركة الجماهير المحرومة التي تعاني من النظام النقدي الرأسمالي والليبرالي. ايا كانت الاسباب التي دفعت للخروج الى الشوارع والاعتصام. فان المسلّم به ان الازمة المالية قد ابتدأت في امريكا وتعاظمت في اوربا اليورو، واسقطت حكومات وقد يسقط اليور نفسه وقد تفشل الوحدة الاقتصادية الاوروبية التي كان يتوقع منها ان تكون قوة اقتصادية منافسة لامريكا والصين، واذا بها تسقط في منتصف الطريق ويبقى الشرق والصين الامل في انقاذ الغرب بعد النمو الاقتصادي بسبب العديد من عناصر القوة التي استفاد منها جيداً.
سوف نرى في عامنا القادم باقي فصول الازمة كم ستبقي وكم ستذر؟ وسيكون المشهد مثيراً وجاذباً لانها في منطقة الكبار.. ولانها جاءت متزامنة مع ربيع المنطقة العربية.
واخيراً نصل الى ازمة اخرى من صنع لانسان وطيشه وعجرفته الا وهي ازمة المناخ وتخريب البيئة والطبيعة والتجاوز على قوانينها وقواعدها بسبب تسابق محموم على الانتاج والربح والتنافس الاقتصادي، بعيداً عن القيم والروح الانسانية، ومعايير العدالة والمشاركة، كل ذلك يلقي بآثاره السيئة على العالم اجمع وشعوبه، ولن يبقى غضب الطبيعة وردود فعلها في الدفاع عن نفسها او سعيها لاداء واجبها في خدمة الانسان،
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}"الجاثية/١٣"
الا في اظهار اشمئزازها من عمل الانسان ومحروقاته ولن يقف غضبها عند تسونامي اليابان او تايلند او .. بل ستتصاعد ثورة الطبيعة وتصحو ضد طغيان الانسان وعبثه واستغلاله وظلمه بعواصف وفيضانات وسيول وامور اخرى، وعلينا ان نترقب سنتنا القادمة. كم سنعتبر من دروس غضب البيئة وصحوة الطبيعة في رسائلها الصارخة الى بني البشر، الذين صموا اذانهم عن داعي السماء وندائه، فهل ستفيقهم امواج الغضب وتلاطم تسوناميها الهادر، نحن بالانتظار،
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}.