سمعنا الكثير عن اجتماع أربيل الثاني وما نتج عنه من نتائج قد ترتقي الى قرارات !! تحديدآ بعد اعطاء المجتمعون رئيس الوزراء الأستاذ المالكي مهلة زمنية تنتهي في ١٧ من الشهر الجاري وإبلاغه بضرورة تطبيق ما جاء فيها من بنود !!! وقد حملت هذه الرسالة الكثير من التحديات لحكومة المالكي كان أبرزها هو ضرورة تطبيق اتفاق أربيل الأول الموقع بين المالكي شخصيا ومسعود البرزاني والذي أشكلت عليه حينها أطراف سياسية أخرى لم يروق لها هذا الاتفاق السري واتهمت المالكي في التفرد بالقرار ..... وفاجئنا المجتمعون في أربيل الثانية ليزيدوا الطين بله ويصعدوا من مواقفهم السياسية بتحدي المالكي وتهديده وسحب الثقة منه وإسقاط حكومته !!! وكان أبرز الموقعين في هذا الاجتماع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ! وتأتي أهمية الموقف من وجود التيار الصدري في التحالف الوطني لأنه كان فيه بيضة القبان ! وبالتالي يفسر هذا التوقيع انشقاقآ وانقلابآ على التحالف وعلى شخص المالكي بالرغم من كرم المالكي مع الصدريين في تقسيم الوزارات ! وإرضاء التيار الصدري وإعطاءه أكثر من استحقاقه وعلى حساب قائمة المجلس الأعلى التي يرى أعضاءها وأنصارها بوجود نية مبيته بالتنكيل بهم ومحاولة تحجيمهم وذلك لموقفهم السلبي من ترشيح المالكي خاصة لو علمنا ان واحد من أبرز القيادات السياسية الحالية من قيادات المجلس الأعلى وهو الاستاذ باقر صولاغ الزبيدي قد حصل على ٧٠٠٠٠ ألف صوت ويعني ذلك من العشرة الأوائل !! ولكن تم حرمانه من أي وزرارة مهمة ويجلس اليوم تحت قبة البرلمان !! بل وصل الأمر الى توعد دولة القانون للمجلس الأعلى وتحويله الى منظمة اجتماعية وهامشية !! بل يكفيها توزيع المياه والأطعمة في المناسبات الدينية !!!! لقد راهن البعض على ضعف أداء المالكي وانه قادم من الصف الثاني لحزب الدعوة وليست لديه القدرات والعلاقات الداخلية والخارجية التي يستطيع معها تثبيت دعائم الحكم وإخراج العراق من الفصل السابع بل عبر الكثيرون عن سعادتهم لهذا الانتخاب ! وكانوا يقولونها همسا و جهرا لقد جاء الوقت للتخلص من الشيعة وحكمهم بعد خسارة المجلس الأعلى في الانتخابات !! وبالتالي التخلص من أكبر تنظيم جماهيري ممثل بالمجلس آنذاك !! وقد فوجئ الجميع في الداخل والخارج بشخصية المالكي القوية بعد ان أخطئوا في حساباتهم وتقييمهم له !!! وعلى العكس فقد تزايدت شعبية الرجل بعد ان أظهر لخصومه حنكة سياسية وصلابة غير متوقعة !!! بل استطاع في حنكته تحجيم معظم المناوئين ! وبسط نفوذه على القوات المسلحة وقوى الأمن وفرض احترامه على الجميع وأصبح القائد الأوحد في نظر مختلف الشرائح والأطياف حتى بات ناقوس الخطر يدق مضاجعهم وأصبح الرقم الصعب الذي لايمكن تنحيته إلا من خلال الاتفاقات السرية والائتلافات المختلفة .... وفي رأي المراقبين صار عزل المالكي أو اسقاط حكومته في الوقت الحاضر أشبه بالمستحيل والسبب المهم هو ازدياد شعبية الرجل كلما ازدادت الضغوط الداخلية والإقليمية عليه خاصة القادمة من الجانب الكردي وتحديدا شخص البرزاني الذي ساءت علاقته كثيرا بالحكومة والأستاذ المالكي !! كما ساهم الدور التركي الطائفي ورئيسه المنفعل في زيادة أسهم رئيس الوزراء العراقي .. الذي استطاع اللعب على جميع الأوتار وخلط الأوراق ، فهو من ضرب الصدريين و أدخلهم في التحالف وقربهم اليه !! وهو من رفع أو جمد الاجتثاث للكثير من المراتب العسكرية والسياسية ووضعهم في حكومته وتحت عباءته ! وكأننا اليوم نشاهد فلم كارتون توم وجيري ! وهو من أبعد المجلس الأعلى عن تشكيلته الحكومية واستطاع بمساعدة ايرانية تقريب منظمة بدر المتمثلة بشخص العامري ونجده اليوم يعرض على المجلس في الدخول والتحضير للانتخابات القادمة وفي قائمة واحدة ! ولعل من أهم وأبرز انجازات الرجل الخارجية هو اتفاق القطبين والنقيضين على ترشيحه ودعمه وأعني بذلك ايران وأمريكا بل اجبار الكتل والكيانات السياسية الأخرى ومن ضمنهم الأكراد على تأييده والعمل معه ! لقد حير الرجل مناوئيه حتى جن البعض وفقد كياسته عندما طلب من الادارة الأمريكية بتغير السفير الأمريكي الجديد في العراق بحجة ميوله وتأييده لسياسات المالكي !!! ان التاريخ سيكتب ويسطر لدهاء الرجل الذي استطاع ان يحدث توافق وتوازن بين الشرق والغرب على حد سواء ويكون مركزا لاستقطاب المباحثات النووية ٥+١ !!!
ومع كل هذا الاستعراض فانه لايعفي ولايبرء ساحة المالكي من الأخطاء ولا يعطيه صك الغفران ! نعم لقد ارتكبت أخطاء ولعل أهمها وأخطرها هو اتفاق أربيل الأول والسري ونعني هنا الاتفاق بكل تفاصيله ! وتعهد المالكي خطيا لعلاوي بمنصب رئيس مجلس السياسات الاستراتيجية العليا وإلغاء قانون اجتثاث البعث ! علما ان المالكي أخلف بوعده الأول لتنصيب علاوي لهذا المجلس ( وهنا نقول للمالكي خير ما فعلت ) ولو قبل اعطاء علاوي لهذا التنصيب لكان البيان رقم واحد قد أذيع في الأيام الأولى من تسلمه هذا المنصب !! وكذلك عمل على رفع الاجتثاث بشحطة قلم ! وتفاجئ جميع المتابعين من خلال شاشات التلفاز في أول اجتماع لاعلان تشكيل الحكومة في البرلمان العراقي في ارسال المالكي قصاصة ورق الى النجيفي رئيس البرلمان الواقف على المنصة يوعز فيها بالاعلان عن شطب كل من الأسماء الآتية من قانون اجتثاث البعث وهم صالح المطلك والذي أصبح بعدها نائب له وراسم العوادي و ظافر العاني !!! ........ نعم لقد أحست القائمة العراقية بان نوري المالكي قد تخلى عنها وخدعها من أجل أن يمر مرورآ سهلا نحو الحكم وزحلق علاوي وأدار ظهره له .. وأصبح الموقف الكردي من المالكي أكثر حزمآ وحساسية خاصة بعد ادراكهم وعجزهم من تنفيذ الأحلام الكردية بالانفصال وجعل كركوك عاصمة الاقليم !! وصعوبة فرض الأمر الواقع بسبب مواقف الدول الاقليمية وحساسيتهم من هذا الأمر .. لذا قرر البرزاني الدخول في مواجهة شرسة وشاملة تبدأ بالمطالبة الفورية لتطبيق المادة ١٤٠ ويعني ذلك التنازل الرسمي عن الاقليم كليآ وضم جميع المناطق التي حددها الكورد بأنفسهم ضمن خارطة الاقليم المزمع انفصاله ! ويرى المراقبون ان هذه المطالب صعبة التنفيذ بل هي مستحيلة ولايستطيع أي زعيم عربي يحكم العراق القبول بها !! بل هي ضرب من الخيال لانها ستكون نهاية لحكمه وذلك لحساسية المواضيع المختلف عليها ... كل هذه المسائل عقدت المواقف وأخرجت البعض عن الكياسة وتخلى البرزاني عن الحليف التقليدي الشيعي وأدار ظهره اليه هذه المرة ! وسمحت لوسائل الاعلام الكوردية في كسر الحاجز المقدس ! وظهرت الشتائم لأول مرة تنال من الشيعة وقادتهم فضلا عن تجاوز الاعلام الغير الرسمي والعربي لشخص البرزاني واتهامه بالأطماع التوسعية والعمالة لحزب البعث ... وانحاز الزعيم الكوردي بعصبية وتهور الى قتلة الكرد والعرب على حد سواء !! وعمل على التنسيق مع أعدائهم ومناؤيهم وقام بإيواء المتهم الهاشمي المطلوب للعدالة بتهم الارهاب بحجة كرم الضيافة والأخلاق النبيلة !! ولم يأبه سيادة الزعيم البرزاني لمشاعر شعبه ولا لحلفائه الشيعة بل تعمد على استفزازهم مما زاد في توسيع الفجوة بينه وبين حلفائه ! وأصر على رفع سقف مطالبه بالتهديد والوعيد ! وستبقى المشكلة الكردية قائمة من دون حلول طالما تمسك الطرفان بالمواقف والآراء ... ومن المؤكد لن يكون قرار اسقاط المالكي وحكومته بيد القادة الخمسة ولا لتحالفهم الرباعي !! طالما وجد الفيتو الايراني والأمريكي وما هذه الاجتماعات إلا زوبعة في فنجان !!!!!!
وستثبت الأيام القادمة صحة هذا الرأي فضلا عن ما يعتقده البعض في أن حضور السيد مقتدى وذهابه الى أربيل هو خطة ايرانية محبوكة لكشف أوراق القادة المجتمعين في أربيل دعما لحكومة رئيس الوزراء الأستاذ المالكي !!!! ......
بقلم علي الموسوي / هولندا