العراق يمر بأزمة سياسية خانقة والحل الحقيقي يكمُن في الحوار وتوفر الإرادة الجادة والنوايا الصادقة من قبل جميع الأطراف والمرونة والتنازلات المتبادلة، قد لا يغيب عن ذهن المتتبع أنّ العراق ما فتئ يعيش في أزمة بعضها مزمن وبعضها الآخر وليد الساعة الراهنة، وكان يفترض بأن الحراك السياسي أنّ يأتي بالحلول للازمات الموروثة ويساهم في حلها ووضع البلد على طريق العافية لكننا نجد أن الثقافة للساسة والتي تكرست خلال سنوات متمادية تضعف الجهود بهذا الاتجاه لأنها بالأصل لم تخلق الانتماء إلى العراق بهذه الحدود المعروفة، فالانتماء إلى الآيدلوجيّة في ذهن بعض الساسة يطغى على الانتماء إلى العراق بالحدود الجغرافية المعروفة، الأمر الذي بغيره لا يمكن حل أيّ من المشكلات فالعراق في ذهن البعض هو مجرد ممر إلى الهدف الحقيقي أي الانتماء المذهبي أو الانتماء القومي فكلنا يعلم أن النظام السابق ساق العراق و سخر موارده الاقتصادية والبشرية لصالح حلم آيدلوجي غير واقعي أيّ الحلم القومي العربي، ولم يضع في حسبانه الحاجات الحقيقية للبلد الذي هو مكون من فئات عراقية ودينية قد لا تتناغم مع هذا الطرح ولا يشكل لها أيّ طموح بل نجد ان طموحات المكونات العراقية تتقاطع ما حاولت الطبقة الحاكمة توجه العراق نحوه وهذا انتهى الأمر إلى كارثة على جميع الصعد، ولعلّ الوضع الحالي في بعض جوانبه يمثل جزءا من تلك المأساة،
إذ نجد الطبقة الحاكمة التي ورثت حكم العراق بعد سقوط الطاغية تكونت من نوعين من القوى المتناقضة هما القوى المعارضة للنظام والأخرى هي القوى التي كانت تتناغم معه حتّى لو كان بعضها يعترض على بعض التفاصيل فيه،
وهكذا ولد المأزق بصورة جديدة بعد سقوط النظام خصوصاً ان كل من الفئتين ليستا متجانستين وان مصالح البعض من هذه القوى يتناقض مع البعض الآخر،
وعليه فأن سقوط النظام الدكتاتوري ومجيء الديمقراطية لم يسفر إلاّ عن ترحيل المشكلة وليس حلاً لها.
وهكذا ولد الصراع السابق في رحم النظام وضاع الأُسس فبعض الذين كانوا يرفعون شعار الحفاظ على العراق صاروا يرفعون شعار التقسيم والعكس صحيح، فالأكراد مثلاً يجدون كامل طموحهم القومي متحققاً في بناء دولة كردية تضم أكراد المنطقة ويترتب على هذا تقسيم العراق حتّى لو أعلنوا أنهم يرغبون البقاء ضمن العراق طوعياً حالياً لأنه بقاء تكتيكي وهذا يصدق على الباقين فالبعض يريد دولة عربية ويتجاهل رغبات الأكراد وآخرين يريدون دولة دينية.
على أن الملاحظ إن كلّ هذه الرغبات والأيدلوجيات ليست واقعيّة وإنها تضحي بالواقع لحساب الخيال الأيدلوجي الذي يبلغ أحياناً درجة الاستحالة
ولهذا لا بُدّ لنا من الخروج من المأزق عبر إقصاء الآيدولوجيا نهائياً والنظر إلى العراق ومصالح العراق وليس مصالح الفئات وهو أمر صحيح، انه خيالي أيضاً لكنّ علينا أن نبدأ بالحوار ومناقشة المعضلات الفعلية والنظرة إلى الأمر بمنظار الواقع وبمنظار العراق.