وعائلة آل الحكيم من العوائل العلمية العربية المعروفة في العراق يرجع نسبها الى الامام الحسن المجتبى بن الامام علي "عليهما السلام".
ونشأ في بيت والده المرجع الاعلى للطائفة في زمانه وتلقى علومه العالية في النجف الاشرف على يد اساتذة اكفاء.
وفي سنة ١٣٧٥ هـ دخل مرحلة السطوح العالية، فدرس عند أخيه الاكبر آية الله السيد يوسف الحكيم، وآية الله السيد محمد حسين الحكيم، وآية الله العظمى الشهيد محمد باقر الصدر "قدس الله ارواحهم".
وبعد مرحلة السطوح حضر البحث الخارج عند آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي "قدس سره" وآية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "قدس سره" ، ونال سنة ١٩٦٤م درجة الاجتهاد في الفقه واصوله وعلوم القرآن من آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين "رض".
نشاطه العلمي:-
مارس التدريس في الحوزة العلمية في مرحلة السطوح العالية، فكان درسه في كفاية الاصول في مسجد الهندي في النجف الاشرف محط طلاب العلم والمعرفة، كما مارس التدريس منذ عام ١٩٦٤م في كلية اصول الدين في بغداد في مادة علوم القرآن، وفي جامعة الامام الصادق "ع" لقسم الماجستير في علوم القرآن في طهران وفي جامعة المذاهب الاسلامية لعلم الاصول.
كما اشترك مع آية الله الشهيد الصدر "رض" في مراجعة كتابيه (فلسفتنا، واقتصادنا) وقد اشار الامام الشهيد الصدر "رض" الى هذا الموضوع في مقدمة كتاب اقتصادنا فوصفه بـ "العضد المفدى".
وفي ايران وبالرغم من انشغالاته بالتحرك السياسي، فانه اولى الدراسة الحوزوية اهتماماً يتناسب مع حجم انشغالاته الجهادية، فدرس على مستوى البحث الخارج باب القضاء والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وولاية الفقيه، كما ساهم وبصورة مستمرة في المؤتمرات الفكرية والندوات واللقاءات العلمية والثقافية التي تقام في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتناولت بحوثه: التفسير، والفقه، والتاريخ، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والفكر الاسلامي.
وحتى عودته الى وطنه العراق، كان (رض) يرأس المجلس الاعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية، وعضو هيئة امناء جماعة المذاهب الاسلامية، كما كان يحتل موقع نائب رئيس المجلس الاعلى للمجمع العالمي لاهل البيت "ع" وعضو ومؤسس لجامعة اهل البيت "ع"، وصدرت له كتب في مجالات مختلفة على الصعيد العلمي والسياسي وعدد كبير من الابحاث والكراسات، واهم كتبه المطبوعة:
١ـ دور اهل البيت "ع" في بناء الجماعة الصالحة "جزءان".
٢ـ تفسير سورة الحمد.
٣ـ القصص القرآني.
٤ـ علوم القرآن.
٥ـ الهدف من نزول القرآن.
٦ـ الحكم الاسلامي بين النظرية والتطبيق.
٧ـ الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين.
٨ـ المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن وقد طبع في العراق في اوائل السبعينات.
٩ـ ثورة الامام الحسين "ع".
١٠ـ المرجعية الصالحة.
١١ـ المجتمع الانساني في القرآن الكريم.
١٢ـ الامامة في النظرية الاسلامية.
١٣ـ حوارات ١ و ٢.
وتفسير عدد من سور القرآن المجيد، وغيره من الابحاث العلمية المتنوعة.
نشاطه السياسي:-
ابدى سماحته (رض) اهتماماً مبكراً باحوال المسلمين واوضاعهم، ولذلك فكان من اوائل المؤسسين للحركة الاسلامية في العراق، وقد كرَّسَ جهده ووقته في مرجعية والده الامام الحكيم "رض" فكان يقوم بالنشاطات الاجتماعية ويزور المدن ويلتقي بالجماهير ويمارس دوره في التبليغ والتوعية، وتحمل مسؤولية البعثة الدينية لوالده الامام الحكيم الى الحج ولمدة تسع سنوات حيث كان قد اسس هذه البعثة لاول مرة في تاريخ المرجعية الدينية.
مثّلَ (رض) والده الامام الاكبر الفقيه المرجع السيد محسن الحكيم في عدد من النشاطات الدينية والرسمية، فقد حضر كممثل عن والده في المؤتمر الاسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة ١٩٦٥م، وكذلك في المؤتمر الاسلامي المنعقد بعمّان بعد نكسة حزيران ١٩٦٧م.
واثناء تصاعد المواجهة بين الامام الحكيم "رض" وبين نظام العفالقة في بغداد وخلو الساحة من اغلب المتصدين بسبب السجن والمطاردة لازم السيد الحكيم والده الامام الحكيم وادار اعماله، حتى انتقل المرجع الاعلى الى جوار ربّه الكريم في ٢٧ ربيع الآخر سنة ١٣٩٠هـ.
الاعتقالات:-
تعرض للاعتقال عدة مرات من قبل نظام العفالقة في بغداد فقد اعتقل اول مرة عام ١٩٧٢م، ثم اطلق سراحه.
وفي عام ١٩٧٧ تم اعتقاله مرة ثانية بسبب دوره في انتفاضة صفر، وحكم بالسجن المؤبد من دون تقديمه للمحاكمة، وتم اطلاق سراحه في "عفو عام" في ١٧ تموز ١٩٧٨م، لكنه منع من السفر ووضع تحت المراقبة السرّية.
هجرته:-
هاجر من العراق بعد استشهاد آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "رض" في اوائل شهر نيسان عام ١٩٨٠م، وذلك في تموز من السنة نفسها.
نشاطه في خارج العراق :-
منذ اول هجرته من العراق سعى سماحته لتصعيد العمل الجهادي الشامل ضد نظام الطاغية صدام وقد قام بخطوات كبيرة في هذا المجال، اسفرت عن تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق.
انتخب رئيساً للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق منذ عام ١٩٨٦م الى استشهاده.
اهتم سماحته بتصعيد الروح القتالية لدى العراقيين المظلومين، فأسس في بداية الثمانينات التعبئة الجهادية للعراقيين وتشكلت نواة خيرة من المقاتلين ثم تطورت حتى صارت فيلقاً يعرف اليوم بأسم فيلق بدر.
كما اهتم بانشاء المؤسسات ذات الطابع الانساني، فأسس "مؤسسة الشهيد الصدر" والمؤسسات الصحية، ثم المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق، ومنظمات حقوق الانسان في العراق المنتشرة في ارجاء العالم.
وعلى الصعيد الانساني ايضاً شجّع المؤمنين والمحسنين على تأسيس لجان الاغاثة الانسانية للعراقيين، والتي قدمت خدمات جليلة للعوائل المستضعفة وعوائل الشهداء والمعتقلين في العراق، حيث تقدم هذه المؤسسات سنوياً المبالغ الطائلة رعاية لهم.
وعلى الصعيد الثقافي اسس سماحته مؤسسة دار الحكمة التي تقوم بتخريج طلبة العلوم الدينية واصدار الكتب والكراسات الثقافية والدورات التأهيلية، وكذلك اسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، وهي كلها مؤسسات يقوم سماحته بالاشراف عليها وتوجيهها والانفاق عليها من اجل خدمة قضايا الاسلام والمسلمين في العراق.
شهادة ثلاثة مراجع:-
مارس سماحته العمل في ظل ثلاثة من كبار المراجع العظام فمنهم والده الامام الحكيم الذي نال ثقته واعتماده عليه في الكثير من الامور السياسية والاجتماعية والمالية.
كما عمل مع الامام الشهيد الصدر "رض" وكان ملازماً له كتلميذ وصديق، فوصفه الامام الشهيد بـ "العضد المفدى" وغير ذلك من العبارات التي تطفح بها رسائله اليه.
كما عمل مع الامام الخميني "رض" فوصفه بـ "الابن الشجاع للاسلام" تقديراً منه لمواقفه الجهادية وصبره واستقامته تجاه النوائب والمصائب التي نزلت به جراء تصديه لنظام صدام، ومنها اعدام خمسة من اخوته وسبعة من ابناء اخوته وعدد كبير من ابناء اسرته في حقبة الثمانينات من القرن العشرين.
كما كان يحظى حتى اليوم الاخير من حياته الشريفة باحترام وتقدير جميع مراجع الدين العظام المعترف بهم من قبل الحوزات العلمية.
عودته وشهادته:
عاد سماحته (رض) الى العراق في ١٠/٥/٢٠٠٣ واستقر في مدينة النجف الاشرف في ١٢/٥/٢٠٠٣ وبعد وصوله باسابيع قليلة اقام صلاة الجمعة في صحن جده امير المؤمنين الامام علي "ع" ورغم كثرة مشاغله فقد واظب على امامته لها.
وفي يوم الجمعة الاول من رجب ١٤٢٤هـ استشهد (رض) بأنفجار سيارة مفخخة وضعت قرب سيارته بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد اداء صلاة الجمعة. وادى الحادث الاجرامي الى استشهاد وجرح المئات من المصلين وزوار الامام علي عليه السلام .
محمد الساعدي