مع أن السلطة البائدة أهملت جميع مفاصل الحياة وعطلت الطاقات الإبداعية المنتجة وركزت على الإنتاج الحربي مسخرة الأموال والعقول والسواعد إشباعا لنزوات القائد الضرورة ودعما لسياساته الهوجاء وغطرسته وتحقيقا لأحلامه الزائفة وجنونه التي جرت على العراق المزيد من الويلات وأذاقت شعبه الجوع والإذلال والهوان, قبل أن تطحنه آلة الحروب والمقابر الجماعية وتعيده الى حياة الكهوف، مع ان الاهمال شمل قطاعات الصناعة والتجارة والصحة والتربية والتعليم والثقافة والرياضة والفنون, الاّ ان قطاع الزراعة والري نال النصيب الأوفر من الإهمال والتضييع حد الموت.
ولم يكن حال الزراعة بأفضل بعد سقوط السلطة الغاشمة أن لم تكن بالسوء, حيث تكثفت جهود الحكومة حول الملف الأمني وانصبت الجهود على أعادة الاستقرار ومعالجة تردي الخدمات وتداعيات سقوط النظام البائد, الأمر الذي أدى الى تحول مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الى بور بسبب شحة المياه وكثرة البزل وقلة الأسمدة, ما دفع معظم الفلاحين والمزارعين الى هجر مناطقهم والبحث عن أعمال وحرف أخرى للعيش، ونتيجة انخفاض انتاج المحاصيل الزراعية, فتحت الأبواب مشرعة لدخول المحاصيل المستوردة وبأسعار تنافسية واقل بكثير من اسعار المنتجات العراقية, ما أضاف اعباءا أخرى على الفلاح العراقي وادخله حالة اليأس والاحباط ..
ما يدعو للأسف أن بلدان الخليج الصحراوية العديمة الانهار اخذت تستصلح الصحاري وتؤهلها للزراعة وتحلي مياه البحار لسقايتها ثم لتنتج ما لذ وطاب من الخضراوات في وقت تتحول فيه سهول الرافدين الرسوبية الى صحارى قاحلة ويتحول رافداه الى جدولين لا يسدان حاجة السكان للشرب .
الحكومة مدعوة لإعادة الثقة للفلاحين والمزارعين من خلال تبني مشاريع استصلاح وري واسعة ومتطورة وتزويد الفلاحين بالأسمدة والسلف المالية ومضخات الماء، وكذلك تفعيل أنظمة مكافحة الحشرات والإمراض الزراعية والحيوانية, وتنظيم تجارة استيراد الفواكه والخضراوات ومنع استيراد الأنواع المتوفرة في العراق .