وما لم تنتقل مواقع القدرة والثروة الى المجتمع والجامعات والمدارس والمستشفيات والملاعب والمسارح وانواع الفنون والاسواق والاقتصاد والمصالح الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية والاجتماعية، ليصبح التنافس في تلك الساحات وقدراتها واعتبارياتها، وليس في الدولة او عليها، فاننا سنستمر بتجديد الازمات.. التي نختفي فيها وراء جماعاتنا وقومياتنا وطوائفنا. عندما تصبح الدولة -وليس المجتمع- مصدر الثروة والقدرة الوحيدتين.. ولا يكون هناك من طريق امام من يمسك بمقاليد السلطة سوى الاستيلاء على المزيد، فان ممارسة نمطية ستتولد لطرد الاخر والطعن والشك به..كلما اقترب من مواقع السلطة والقدرة. عندما يحصل ذلك، والعراق مثالاً، فان الاخر سيحتج ويتمرد،عن حق او باطل، ليعطي للحاكم حججاً وقناعات بنظرية المؤامرة، خصوصاً عند اللجوء للدول الاخرى.. هرباً من الملاحقة او البطش، او عند تقاطع المصالح الخارجية ومصلحة الحكم. هكذا عاش العراقيون لعقود طويلة. لهذا عندما سقط النظام الاستبدادي،ووقفت المرجعية الدينية العليا،والعديد من القوى تطالب بدستور تعده جمعية منتخبة،فان الهدف كان استخلاص تجارب الماضي وبناء نظام ينصف الجميع، بتوزيع الحقوق على الشعب بشكل متساو.. وبجعل الدولة راعية تحكم وفق منطق الانتخاب والتداول والمساءلة وتوزع السلطات والقدرات. لكن القوى السياسية، والحكومات الجديدة غرقت في شؤون الدولة اكثر من اهتمامها بشؤون الشعب والمجتمع.. شجعها على ذلك الارهاب والعنف،الذي لم يترك سوى تعزيز قدراتها وقواتها.. كما شجعتها العلاقات الدولية الجديدة التي يهمها اولاً العقود والصفقات، قبل اهتمامها بالمجتمع واستعادة الشعب لحقوقه.. ومع زيادة الواردات النفطية، ازدادت هيمنة اقتصاديات الدولة، وازداد التنافس والتنازع -بدل التعايش- ليصبح القاعدة الاساسية في علاقة البعض بالبعض الاخر. بعيداً عن الاشخاص والاحزاب والمصالح الاقليمية والدولية وادوارهم، فان الازمات مرشحة ان تزداد ما لم تقلب العلاقة، لتصبح القدرات ومجالات التقدم والرقي بيد المجتمع اساساً لتأتي الدولة مكملة وخادمة.. عندها سيأخذ التنافس طابعاً ايجابياً -وليس اقصائياً او عدائياً- وسيوفر لنفسه مساحات رحبة تسع الجميع.. وليس كما هو الامر اليوم، عندما يجري الصراع في مساحات الدولة الضيقة التي قاعدتها التفرد والطرد.