البعض يحاول أنّ يفصل بين المسارات السياسية والمسارات الأمنية ليثبت عبثاً أنّ ما هو سياسي لا علاقة له بما هو امني، أيّ بعبارة أخرى أنّ العمليات الإرهابيّة التي تحصل باستمرار وتحصد أرواح الناس الأبرياء من أبناء الشعب العراقي الصابر المحتسب، ليست انعكاساً لازمات واحتقانات وظروف سياسية سيئة يسودها انعدام الثقة والمزايدات والمهاترات والسجالات العقيمة والتصلب والتشدد والتزمت.
بالأمس القريب شهدت العاصمة العراقية بغداد ومدن أخرى سلسلة عمليات إرهابية استهدفت زوار الإمام مُوسى بن جعفر الكاظم وخلفت مئات الشهداء والجرحى من مختلف الأعمار، وأعلن تنظيم القاعدة بكلّ فخر انه المسؤول عن ذلك الإجرام، وقدم حارث الضاري التهاني والتبريكات له، وعبر عن فرحه الغامر بقتل الناس الأبرياء من أتباع أهل البيت عليهم السلام.
بماذا تختلف العمليات الإرهابية الأخيرة عن عمليات إرهابية دامية وقعت في أوقات سابقة في بغداد ومحافظات أخرى واستهدفت أسواقاً ومؤسسات حكومية مدنية وعسكرية وحيث ما تواجد واحتشد الناس.
وفي السابق قيل ان الجماعات الإرهابية التكفيرية والصدامية تقف وراء تلك العمليات، وقيل انه تم تشكيل لجان تحقيقية للوقوف على أسباب حدوث تلك العمليات الإرهابية، وقيل انه ستتم محاسبة المقصرين، وصدرت بيانات الإدانة والاستنكار. وهكذا اليوم حينما نواجه نفس المشهد التراجيدي الدامي نسمع ذات المبررات والحجج والعبارات الاستهلاكية التي لا طائل منها، وكأن دماء وأرواح العراقيين رخيصة جداً ولا تثير دمائهم النازفة وأرواحهم المزهوقة حمية من بأيديهم زمام الأمور والحل والعقد.
مخطئ من ينتظر ويتوقع معالجات للأوضاع الأمنية المتردية ووضع حد لذلك التداعي الخطير والاستهانة والاستخفاف بأرواح ودماء العراقيين دون أن تخرج الأزمة السياسية من الحلقة المفرغة التي تدور فيها، ومن دون أن يضع السياسيون والقوى السياسية المختلفة مصالح البلد قبل وفوق مصالحهم الخاصة.
مصالح البلد تعني مصالح أكثر من ثلاثين مليون مواطن، ومصالح الحزب والفئة والطائفة تعني تهديداً وتفريطاً بمصالح الجميع، ودفع العراق والعراقيين إلى المجهول.