لست بصدد التقريض بهذا ولا ذاك، ولا التنديد بقوم دون آخرين، ولا يهمني من كان قرشيا أو وهابيا او نصرانيا، إلا بقدر ما يخدم أمة الاسلام في شيء، أو بما قد يضرها في شيء آخر، ولن انصّب نفسي حاكما على البريّة أعاقب وأجلد وأعزر، أو مبشرا بغيث من أطلق لحاه ووضع علامة وسط جبينه بأنه نجاة عشيرته وحزبه وخاصرته، فما أنا إلا أنا، بشر، مثلي كمثل غيري، أجازى وأعاقب، كالأمم البشرية كلها، من قبل مليك عادل مقتدر، رحمته تسبق عدله، وعدله يحاسبني على ما صنعت يداي من زراعة الازهار أو بما اقتلعته من الاشجار في أراضي وواحات الانسانية جمعاء.
ان اتعاظنا بما نمر به من أحداث هو أمر واجب النظر لكل عاقل ولبيب، قياسا الى حجم الاحداث المهولة والكوارث المؤلمة التي عشناها، والاتعاظ يكون لأخذنا العبر من تجارب ودروس الحياة اليومية، الدروس التي تنفعنا وتنفع غيرنا وتقينا من تكرار السيناريو نفسه، أو المرور بالأحداث نفسها عن طريق أخطائنا وهفواتنا، ويمكن ان نستفيد من العبر بوجود العقل الراشد والصديق الناصح والقائد الواعظ، ومن هؤلاء جميعا برز رجال الدين بقوة ليحتلوا مراكزهم المرموقة أيما احتلال، نظرا لما أدوه من أدوار مشرفة على مر العصور، وبالتأكيد ان مصطلح رجل الدين ليس حكرا على فئة دون اخرى، مثلما هو متاح لجميع الاديان، وليس محصورا بالإسلام فقط ـــ مثلما يظن البعض ــ ، لأننا معروفون بشغفنا وحبنا لكل من دخل مسمى رجل الدين، رغم انه غالبا ما يخضع الى سلسلة من عمليات التشريح والتجريب والمتابعة والمراقبة من قبلنا، ولكل شاردة وواردة، لتطمئن قلوبنا إليه ونتبعه اتباع الضرير للبصير، فضلا عن توفيق الله تعالى له وتسديد خطاه.
بعض الانتهازيين والمتطفلين والماديين، وأكرر ليكون توكيدا لفظيا غير قابل للتزوير والنكران !، البعض فقط، ينتهز صفة التقدير والاحترام هذه لرجال الدين فيحشر أنفه وسط جموعهم، بتزوير عمامة رسول الله، او سرقة عباءة ووقار رجال الدين، لأنها خاصة بهم ومن ارتدى واحدة منها فهو سارق ولص ومزور لا محالة، محاولا بذلك ان يوهم بعض السذج بانه يستطيع ان يشرق الشمس وقت الغروب ويضيع الفلك وهو يدور!، ورغم استحالتها فهناك عقول ساذجة تظنه نبيا أو ما شابه، مع الفارق الكبير بينهم وبين الصادقين الذين ينهلون من كتاب الله وعترته شتى العلوم والمناهل ويترجمونها كخطوات مشرقة لخدمة المسلمين.
الكارثة الأكبر ان هؤلاء المزورين يتسنمون مناصب تشريفية كبيرة وهم لا يفقهون من الدين شيئا، ولا يمتلكون من الاخلاق نزرا يسيرا، وهو أمر حتمي بحكم تزويرهم، لذا تراهم يتخبطون في أقوالهم قبل أفعالهم، وفي إطلاق فتاواهم قبل تفكيرهم، فمثلا اعلن شيخ وهابي سعودي على موقع التواصل الاجتماعي(تويتر) عقب وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي ما نصه: (ان وفاة مولانا الأمير نايف لأشد إيلاما من وفاة رسول الله!!) معللا قوله:( لان محمد ترك وراءه من نعلم، ولكن الامير نايف لا نعلم من وراءه !) ، وهذا القول لا يحتاج الى شرح مسهب ولا الى ضجة كبيرة لأنه ينم عن عقل شيطاني وتفكير مسموم نابع من مصلحة شخصية ضيقة جعلته يرفع نايف فوق أكتاف السحاب، وإلا فكيف يقارن بين رجل من عامة الناس حتى لو علا شأنه عندهم، وبين والرسول الاكرم (ص) الذي امتدحه تعالى بقوله: وانك لعلى خلق عظيم)، فيما قال الرسول:(أدبني ربي فأحسن تأديبي)! ، فهل أدب الله النايف الذي له ما له من اتهامات الشعب العراقي بانه وراء سفك دمائنا خلال السنوات الماضية ؟!، في حين أدعى شيخ وهابي آخر ان الحور العين قد اعلنت حالة استنفار(إنذار ج) بسبب وفاة الأمير نايف وذلك لاقتراب الاسد النايف من الجنة، أي انهن سوف يتقاتلن للحصول عليه، ومن لم تحصده فقد يبقى قلبها ملوما محسورا !!، غير ان الادهى من كل هذا هو ان (الشيعة) قد يتركون تناول (أكلة السبزي) من أجل اقناع دكتور وهابي ذهبت به الظنون الى أبعد من جزر الواق واق، فقال : (ان القنوات الفضائية الشيعية تبث ذبذبات تؤثر على العقل البشري، وان الشيعة لهم طعام يسمى (سبزي) يتسبب في الإدمان على التشيع !!)، فيا الله لقوم كهؤلاء، ويا ربنا أكثر علينا من نعمة السبزي!.