إن سحب الثقة مصطلح يتضح عندما يكون هنالك أزمة سياسية أو دولية، وتعني سحب بساط اليقين من تحت من تقع بيده زمام الأمور سياسياً، والسعي حول إبطال العقد الذي بني بين الحاكم والهيئة التنفيذية (المستوزرين)، باعتبارهم وكلاء عن الشعب، وان قضية سحب الثقة تؤدي إلى ولادة أزمة حقيقية وبالتالي تؤدي إلى زعزعة صفوف الشعب الواحد بسبب الاضطراب الذي يتولد عن القيادات السياسية للجماهير، فالأزمة هي تعبير عن وجود خطر وصراعات بين الكتل الأطراف، وهي وصف لحالة تتميز بالتوتر الشديد قد تصل إلى مرحلة تنذر بالانفجار في العلاقات بين الكتل ثم تشكل طوراً متقدماً من أطوار الصراع والحزازيات بين مجمل الكتل السياسية، كما يذهب المفكر وليم كوانت إلى تعريف الأزمة بأنها (موقف يجمع بين المفاجآت والخطر وعدم اليقين).
كما أن أزمة الثقة قد رمت بظلالها على الشعب العراقي الذي بات يدفع أثماناً ليس مسؤولاً عنها، ويتحمل قرارات ليس مسؤولاً عنها، فأصبح بعد ذلك هو كبش الفداء الكبير الذي نالته العديد من المفخخات والأحزمة الناسفة والعبوات وغيرها من عمليات الإرهاب، التي تسببت بتصاعد نسبة أعداد الشهداء والقتلى الأبرياء الذين انتشرت دماءهم في العديد من محافظات العراق، والسؤال الذي يطرح نفسه دوماً وبتكرار متى تتوافق الكتل السياسية؟، ومتى يتم تفعيل عمل المؤسسة الأمنية؟، ومتى يتحقق طموح الشعب العراقي بحصوله على الخدمات المطلوبة؟.
جوهر الحل يكمن بحلحلة الأزمة ووضع الحلول والمعالجات لها، والبحث عن أسبابها والعمل على استئصالها من الجذور، وفك وثاق التخندق، وتفعيل مبدأ الشراكة الوطنية بين جميع الكتل السياسية، فالحل لا يكون بجمع الأرقام من اجل إنهاء الأزمة فهو ليس حلاً حقيقياً للمشكلة القائمة، وإنما يعمل على ولادة عدة أزمات تدور في حلقات مغلقة، كما أن هذه الأزمة قد ترمي بظلالها على الجماهير وتؤدي إلى عودة المشاحنات الطائفية بين أبناء البلد الواحد، وتؤدي إلى توفير أرضية خصبة للمفخخات والأحزمة الناسفة والعبوات التي أدت إلى إراقة دماء أبناء الوطن الأبرياء في العديد من محافظات العراق، ولا يكون بإقامة انتخابات مبكرة، فهذا ليس عملاً صحيحاً إنما يعبر عن فشل العملية السياسية ويدخلها في دوامة كبيرة متشعبة ليس لها من مخرج يوصف، ويرهق جماهير الشعب ويسبب بفقدان ثقتهم بقياداتهم ووكلائهم بالسلطة ويؤدي إلى خلق الحزازيات بين الكتل الأطراف، وبالتالي يولد زعزعة الصفوف بين القواعد الشعبية لكل طرف من الأطراف، ويؤدي إلى حصول النزاعات غير المجدية وغير الناجعة التي تضع السلطة والجماهير في دوامة الخطر والقلق غير المتناهي.. فحل المشكلة يكمن بالحوار وكشف المصارحات ووضع الإصلاحات، وكتم المعوقات، والالتفات إلى مطالب الشعب، وإشباع رغباته وعدم السماح للشأن الخارجي بوضع حلول ومعالجات تخدم مصالح الغرب وتشفي أطماعهم وتروي غلتهم، فيجب على جميع الكتل السياسية التحلي بالعقلانية في إصدار القرارات قبل إطلاقها، والتأني قبل إصدار الأوامر التي تعيق مسير العملية السياسية وترجعها إلى الخلف، والنظر إلى التجارب السياسية للأمم السابقة والاستفادة من أخطاءها، والعمل على تجاوزها في التجربة الحالية، فيجب على مجمل الكتل السياسية أن تجتمع حتى تتحاور وتتحالف لا تتصارع وأن تتكاتف وتصلح وتعمر لا أن تحطم وتهدم، وتعمل وتجاهد من اجل بناء دولة خدمية مواكبة للعصر وإنهاء الأزمات والصراعات.
فإن أزمة الثقة قد خلفت ورائها سلسلة أزمات متوالية وهذه توفر أجواءً خصبة لعمليات الإرهاب، فعلى المؤسسات الأمنية أن تضع خططاً واستراتيجيات واضحة وفاعلة لمنع عمليات الإرهاب من اختراق الحاجز الأمني، فأبناء الوطن تزهق أرواحهم وتراق دمائهم وترمل نسائهم وييتم أطفالهم، كثُر التساؤل فمن المسؤول؟، فأغلب المسؤولين مشغولين بطموحاتهم وحل أزماتهم فمن يلتفت للشعب ويحل أزماته ويحقق طموحاته ويشبع رغباته؟ فهناك قصور واضح في الاستقرار الأمني وفي جميع الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
فالخدمات تتناسب طردياً مع النظام الاجتماعي والسياسي، فكلما كانت الخدمات جيدة كماً ونوعاً كلما أدى إلى الرفاه الاجتماعي وبالتالي استقرار النظام السياسي، وكلما كانت الخدمات سيئة ورديئة كلما أدى إلى السخط الاجتماعي وبالتالي عدم الاستقرار السياسي، فعدم الاستقرار واضح في المشهد السياسي العراقي وهذا أكبر دليل على رداءة وسوء الخدمات وقلة الاهتمام بالمصالح العامة والانشغال بالمصالح الخاصة، وهذا ناتج من تراكم الأزمات الواحدة بعد الأخرى التي تعاني منها الحكومة العراقية.