مقومات وعناصر التوافقات الوطنية كثيرة وكبيرة، ومايجمع بين الشركاء في الوطن الواحد اكثر مما يفرقهم، والتنوع الفسيفسائي للمجتمع العراقي، قوميا ودينيا ومذهبيا وطائفيا وعشائريا، يمثل نقطة قوة اكثر منه نقطة ضعف.
واذا كانت قد حدثت مشاكل وازمات بين بعض مكونات المجتمع العراقي الواحد في الماضي البعيد او بالامس القريب ، فليس لان هناك خللا في منظومة العلاقات والروابط الاجتماعية والسياسية والثقافية بينها، وانما لان قوى واطرافا خارجية دخلت على الخط وارادت ان تفرض خياراتها وتمرر اجنداتها وتملي اراداتها، وربما لايغيب عن بال الكثيرين من ابناء الشعب العراقي مبدأ "فرق تسد" الذي عملت به قوى خارجية دولية في دول مختلفة من بينها العراق، وكانت له اثارا ونتائج سلبية مازال جزء منها ماثل لنا بمظاهر واساليب وسياقات شتى.
واذا كنا في هذه المرحلة الحرجة والحساسة امام خيارين، الاول، الجلوس مع بعضنا البعض لنحدد مساراتنا الصحيحة ونضع النقاط على الحروف، والثاني طرق ابواب الاخرين ليحلوا لنا مشاكلنا، فالاولى بنا ان نلجأ الى الخيار الاول مع ما فيه من صعوبات ومشاق، لانها بالتأكيد لن تكون اكثر من تبعات واستحقاقات الخيار الثاني. بعبارة اخرى، تمثل التوافقات الوطنية الخيار الافضل والانجع للخروج من عنق الزجاجة، وهذا الخيار لايلتقي مع مبدأ الاملاءات وفرض الامر الواقع من قبل هذا الطرف او ذاك على، بل انه يقوم على ضمان اكبر قدر من القبول والانسجام والتفاهم بين الشركاء السياسيين .
فحينما نقول بمبدأ التوافق الوطني، فأننا لا نتصوره محصورا ومحددا في اطر ومساحات ضيقة، وانما على العكس من ذلك يتحرك في فضاء واسع ومساحات فسيحة، بحيث ينتهي الى افضل النتائج، التي من شأنها معالجة واحتواء المشاكل والازمات، ذلك الفضاء الوطني الواسع الذي تكون فيها المصالح الوطنية هي المحور والاساس والمرتكز اولا واخيرا.