لكل دولة هنالك دستور ومبادئ ومعايير وقيم أخلاقية سياسية وأحكام قانونية ومؤسسات جماهيرية سياسية، لا يجب ان تخلو منها دولة، وإلا كانت محض سلطة، مهما كانت صورتها السياسية جذابة براقة ومهما كان اسمها أو شكلها أو الطريق الذي تسلكه.
إن كل سلطة إما أن تتحول الى إدارة للسلطة تدير مؤسسات المجتمع تحت سلطة الدولة، الدستور، القانون، فتنتمي بذلك الى أنظمة الاستقرار السياسي الدستوري الإداري.
أو ان تبقى سلطة متسلطة مسيطرة، فتنتمي الى أنظمة الطفرة والتحولات الفجائية لتمسي السلطة بذلك هي الكل، هي الدولة .. والدولة هي السلطة الحاكمة لا غير.
إن سلطة الإدارة (دولة المؤسسات) هي التي تدير وتضبط وتقود مؤسسات المجتمع، إما سلطة السلطة والسيطرة هي التي تعود لتحكم وتوجه لتستبد وتدير شؤون الحكم لفرض هيبتها وهيمنتها وسلطتها على الناس بغض النظر عن التسميات والشعارات التي يختفي وراءها النظام أو السلطة التي تقودها.
في المجتمع الذي تقوده سلطة الإدارة (دولة المؤسسات) يغشى الاستقرار علاقات الناس كمواطنين في تفاعلهم وتعاملهم مع مؤسسات المجتمع خاصة الاقتصادية منها هو عامل الاطمئنان الذي يشعر به المواطن تجاه المؤسسات.. الاطمئنان الذي يؤكده رضاه عما تقدمه من خدمات وما توفره من مناخ يتمتع فيه المواطن بكرامته، حتى لو كان ما تقدمه هذه المؤسسات من خدمة ومصلحة اقل بكثير مما تقدمه مؤسسات بعض الأنظمة الأخرى، وذلك بسبب استقرار هذه الخدمة واستمرارها واكتسابها للبعد الثقافي والاجتماعي في وجدان الناس وفي ثقافة مؤسسات المجتمع الذي تقدم هذه الخدمة.
السؤال في ظل وجود كثرة الأحزاب السياسية التي تريد جميعها أن تحكم البلد بصورة فردية ولا تؤمن بالشراكة في الحكم وتتصارع من اجل ذلك في ظل دستور فيه الكثير من التناقضات والمبهمات وعدم الوضوح في الكثير من بنوده وفقراته، وفي ظل برلمان منبثق من تلك الأحزاب التي لا تفكر بمصلحة البلد، بل بمصلحة الحزب والمصالح الشخصية للنواب أنفسهم، إضافة الى تعطيل إقرار القوانين حيث تكشف مصادر برلمانية نحو ١٥٢ مشروع قانون لم تشرع بسبب عدم احتساب أيّ تقدم للحكومة والخاسر الأكبر هو المواطن، هل العراق يحكم بنظام الطفرة والتحولات الفجائية أم بنظام الاستقرار السياسي الدستوري؟، الجواب إن العراق يحكم بنظام الطفرة والتحولات الفجائية بسبب ما أسلفنا من واقع سياسي منحرف بمعنى الكلمة.
آن الأوان لإعادة النظر بالمسائل الكلية المتعلقة بطبيعة النظام والدستور وطريقة إدارة الدولة وقك التقاطع بين متطلبات إدارة الدولة وبين الواقع السياسي وواقع الكتل السياسية.
إن السياسة أضحت تتقاطع مع الإدارة وعندما تتقاطع يكون ثمنها تقهقراً وتراجعاً في كل المحاور، والخلافات السياسية في بعض الدول تكون محصورة في حلبة الصراع السياسي الذي يصل الى إدارة مؤسسات الدولة وأسلوب عملها وما تتطلبه من إمكانيات وقدرات وتؤدي دورها بشكل صحيح فان أية مشكلة في أية كتلة قد يكون لها انعكاس مباشر على وزارة معينة أو مؤسسة معينة وأي توافق يكون ثمنه مؤسسة معينة لأنه سيأتي بشخص ضمن التوافق لايمتلك الإمكانيات وحركة المد والجزر لدى الكتل ترتبط ارتباطاً كبيراً جداً، بما يتحقق لها من مكاسب التي تصل في معظم الأحيان الى مكاسب شخصية. وورقة الإصلاح أو أي حلول تطرح لا تحل المشكلة الكلية أو لا تمنع وقوع المشاكل والأزمات مستقبلا ً ما لم يعاد النظر بالدستور وهذا الامر بات ضرورة ملحة.
المطلوب لكي يصبح العراق يحكم بنظام الاستقرار السياسي يجب إعادة النظر بالدستور، يجب ان تكون من قبل مختصين ومحايدين وينظرون بعين المصلحة الحقيقية لكل مجال من المجالات وهذا المطلب بات مطلباً ملحاً في ظل ظروف الواقع السياسي للبلد. حيث إن الدستور الحالي تسبب بإشكالات كبيرة في إدارة الدولة وخلقت الكثير من المشاكل السياسية وقد لا تذكر بشكل مباشر، ولكن بعمق التجربة التي مر بها العراق فإنها ترتبط بموضوع توزيع المسؤوليات والمناصب وهذه يجب ان تتحول وتتغير في الدستور إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمواطنة الذي سيؤمن ويفك الكثير من الاختناقات والأزمات والحساسية والتنافس والتقاطعات التي تحصل نتيجة لهذا مع متطلبات إدارة الدولة من قيادات كفوءة و مسؤولة وغير منحازة وحيادية وتركز في عمله وهذا السبيل هو الذي سيخلق التوازن المفيد لأنه سينتقي الأفضل ومن ثم الانتقال ومغادرة مبدأ توزيع الفرص والمحاصصة في إدارة الدولة.