ليس من شك في أن كل العقلاء لايختلفون في أن مذهب أهل البيت عليهم السلام يستقي مبادءه من منبع الرسالة النقي ، كما أن اصوله ابتناها أبناء الرسول الكريم ، ولو أردنا أن نعرف تلك الحقائق سوف لن نجد صعوبة في ذلك ، إذا ما تجردنا من الأفكار الطائفية والعنصرية التي زرعتها الدولة الأموية ونشرتها العقول الضالة ،التي نصبت العداء للنبي وآله كعقل ابن تيمية وتلامذته أمثال ابن القيم الجوزية وعقول رموز المدرسة السلفية الوهابية وهم كثر في عصرنا الحالي وما قبله.
ولا أريد أن استغرق في إثبات حقيقة صحة المذهب فهو كرابعة النهار ولعل ما يحصل الآن من توجه من قبل المذاهب الأخرى في الدخول في مدرسة أهل البيت هو دليل آخر على العلاقة النقية بين المذهب ومؤسسه الأول نبينا عليه وعلى آله أتم السلام .
لكن هذا لايمنعنا من الإعتراف في أن هذا المذهب يتعرض إلى حملة تشويه داخلية وخارجية منذ اليوم الذي تبلور فيه كمذهب مقابل المذاهب الأخرى ، ونحن لانرى خطورة عليه من الحملات الخارجية ، فقد سبق وأن تعرَّض إلى حملات تشويه من قبل حكومات وامبراطوريات كالأموية والعباسية والتركية ولمئات من السنين وحملات تصفية وتطهير عرقي قل مثيلها في التاريخ ، ومع ذلك فإنه خرج منها معافى لم يصبه ما أصاب المذاهب الكثيرة الأخرى التي تلاشت أو ضعفت مع الأيام . كما نحن لانخش على المذهب مما يتعرض له اليوم من حملات ظالمة مبرمجة ومدعومة من قبل حكومات طائفية في المنطقة وجماعات سلفية وهابية تمتلك من القدرات الهائلة على المستوى المادي والإعلامي وغيره ، فكل المؤشرات أن مذهب أهل البيت مع وجود هذه الحملات ، يقف شامخا أمام عواصف تلك الحملات المسمومة .
لكن .. ولعنة الله على لكن .. فغالبا ما تكون سكينا تجرح في الصميم ، وتعبث في الفؤاد وتغيض الضمير النقي .. أقول (لكن) ثمة أمور داخلية لدينا نحن الشيعة ، تثير فينا الكثير من لواعج القهر والأسى ، نرى خطورتها على ما نعتقد جلية واضحة ، ومع ذلك نقف عاجزين عن معالجتها ، امور خطيرة تقف بوجه الكثير من أهدافنا السامية والتي تتعلق بجوهر المذهب ، واهدافه على مستوى تعريفه للأمم الأخرى أو على مستوى المعالم التي نريد لها دائما أن تظهر للآخرين من حولنا جميلة إلهية لاتشوبها شائبة من جهل أن تخلف .
من يريد أن يراقب وسائل إعلام أعداء المذهب في هذه الأيام التي نحتفل بها بملحمة الشهادة والفداء لأبناء الرسول في كربلاء في يوم عاشوراء ، نرى أن تلك الفضائيات تركز على تلك الشوائب التي دخلت على التشيع من حيث لانعلم ، وتحاول أن تصورها على أنها ( ممارسات تعبدية من صلب العقيدة ) وما هي كذلك ، لكن لهم الحق في فعل ذلك طالما الهدف من ذلك هو تشويه سمعة المذهب من خلال تلك الممارسات ( الخاطئة ) والموجودة أصلاً يمارسها ممن يحسب علينا وعلى المذهب بشكل صارخ وبتحمس غير مبرر.
التطبير ليس له وجود في مذهب أهل البيت ، إلا في العقول المريضة ، وضرب الظهور بالسلاسل المطعمة بالشفرات الجارحة دخيلة هي أيضاً ، والزحف الذي خرج علينا مؤخرا ، وتطبير النساء والأطفال من قبل أحدى الفئات الضالة أخرجت قرونها خلال السنتين الماضيتين ، والذي يثير الكثير من الاستغراب أن الأخيرة تمارس في بعض بلدان الغرب الذي يستنكر أصلاً شكل الدماء في مجتمع مدني تعبوا من أجل أن يكون مسالما وبعيدا عن كل ما له علاقة بالعنف والدماء ، ولا ندري مصدر كل هذه في الإسلام ، ولاندري ماذا سيفعل الجاهلون في هذا الشهر الحرام وفي المستقبل من بدع تكاد أن تكون سيوف باترة تمزق أوصال العقيدة وتشوه وجهها الجميل البريء .
نحن ندرك ومعنا كل الأفاضل الذين يعيشون ثورة الحسين عليه السلام ، أن أصل العبرة من استشهاد الحسين هو ليبعث الحياة في الأمة وفي العقيدة بعد أن كانت ميتة سريريا في زمن يزيد بن معاوية ، كان الحسين يريد أن يرفع عن وجه الإسلام ، القناع المشوه الذي وضعه بنو أمية ، ليظهر الإسلام لنا وللأمم من حولنا على حقيقته وبوجهه المشرق الجميل الذي كان على عهد نبينا عليه السلام ، لم يدر في خلد الإمام الحسين عليه السلام أن تتحول ثورته أو التضحيات الجسام والقرابين التي قدمها على مذبح الشهادة والفداء ، تتحول لمجموعة من الطقوس الدموية والمناظر التي تقزز النفس وتقدم المذهب أو الإسلام للعالم على أنه طقوساً ترفل بمشاعر العنف والألم وسفك الدم بلا مقابل . الحسين يرفض وكلنا نرفض أيضا من أن يصاب من نحب حتى بشدخ صغير ، وما كان يحب لنا أن نجلد أنفسنا بمثل هذه الطريقة المقرفة ، وهذه الحقيقة لم تغب عن الكثير من علمائنا الأعلام فاستنكروا ( التطبير وضرب السلاسل وسواها ) وأطلقوا العنان للمؤمن أن يفعل ما بعد تلك من ممارسات تعبير حضارية لاتشوه العقيدة ولاتنفر الآخرين منها ، إلا أن ذلك الإستنكار بقي خجولاً مترددا ، لم يبد رفضاً شجاعا ولحد الآن ، إلا من قبل بعض علمائنا الأخيار الذين اتصفوا بالشجاعة ، وقد حوربوا من قبل دعاة تلك البدع بشراسة وبأساليب التسقيط التي برعوا فيها ، مما حدى بأصحاب تلك العقول المريضة والمدفوعة من جهات لاتريد للتشيع الخير أن تجتهد أكثر مما كان لتبدع في تلك الممارسات والطقوس المرفوضة إسلاميا ومن قبل أهل البيت عليهم السلام .
لقد نجت إيران في الحد من تلك الظواهر الشاذة ، وتعاون علماؤها مع سياسييها في الإفتاء وفي تدخل القانون بتطبيق الفتوى ، وكلنا نعلم أن السيد الخامنئي قد أفتى بحرمة التطبير وباستعمال ما يسمى ( بالزنجيل ) ، وأصدرت الحكومة تبعاً لذلك قانونا يعاقب على من يمارس تلك العادات المتخلفة المقرفة ، ولم يعد في عرض إيران وطولها مثل تلك الطقوس إلا ما يمارس بشكل محدود وبعيد عن الأنظار وعلى تخوف .
أنا أرجو من علمائنا الأعلام وعلى رأسهم المراجع الكرام في العراق أن يكون لهم موقفاً رادعاً من تلك الطقوس الدخيلة على الإسلام رأفة بالمذهب ، وأن يصدروا الفتاوى الشجاعة للحد منها ، فلقد أصبحت من العوائق الكبيرة والخطيرة في نشر المذهب في العالم ، وخاصة أن أعدائنا قد حشدوا كل طاقاتهم المادية والإعلامية لإظهار تلك الطقوس على أنها ( من صلب المعتقد الشيعي وهي ليست مجرد شعائر وأنما هي طقوس تعبدية ) . وخاصة إذا ما أدركنا أن الجهات التي تنسب نفسها لمذهب أهل البيت والتي تقف وراء انتشارها هي فئات متخلفة ولديها أجندات خفية تُملى عليها من أطراف تكن العداء للمذهب وتحاول الحد من انتشاره بأي طريقة .
نحن واثقون من أن تلك الممارسات الشاذة سوف لن تبقى تمارس بهذا الشكل إلى الأبد ، طالما لاتتفق مع مباديء المذهب وأهداف الثورة الحسينية المباركة ، وسوف يأتي اليوم الذي ينبري فيه بعض العلماء الشجعان يساندهم بعض السياسيين الأبطال ليقولوا قولتهم التي تنقذ المذهب من هذا االتشويه المتعمد ، وتنقيه من تلك الشوائب الضارة . وأحب أن أؤكد أن مسؤولية العلماء والسياسيين العراقيين في إيجاد حل لذلك هي مسؤولية كبيرة وتقع على عاتقهم بشكل خاص ، لأن التشيع في العراق يمثل أتباع أهل البيت في كل العالم ، وأن انتظار يوم واحد دون التفكير بإخراج المذهب من هذه المشكلة الدائمة سوف يزيدها تعقيدا وصعوبة ، مع زيادة الجهلاء واجتهاد الأعداء .
نحن نقترح أن يصدر العلماء الأعلام فتاوى بحرمة ممارسة التطبير وضرب الظهور بالسلاسل أو الزحف وأمثالها مما يشوه المذهب ويضفي عليه طابع العنف والدم والقسوة ، وعلى الحكومة العراقية أن تصدر قانون عقوبات خاصة بمنع تلك الممارسات اعتمادا على الفتاوى وتعاقب من يمارسها وفق تلك القوانين ، وأعتقد أن السيد مقتدى الصدر بما يمتلكه من إحترام وتقدير بين أتباعه قادر على أن يخطو الخطوة الأولى الشجاعة في ذلك ويدعوا أتباعه إلى عدم ممارسة الشعائر التي تضر بسمعة المذهب ، فلو أن هذه الخطوة قدّر لها النجاح ( وأنا واثق من نجاحها ) سوف تشكل الخطوة المباركة الأولى التي تعيد للمذهب كامل جماله ورونقه وسوف يتذكرها التاريخ للسيد مقتدى أمدا طويلاً ، وأن السيد وإن لم يكن مجتهدا لكن احترام التيار له سوف يشكل عاملاً مشجعا لطاعتة ، وأنا هنا لا اريد أن اتهم التيار الصدري بقيامه بمثل هذه الممارسات ، لكن إعلانه عن الامتناع عن القيام بها سوف يخلق حالة من الرفض يشجع الآخرين على تركها ايضاً .
كما أن محاربة هذه الظواهر الشاذة لم تكن جديدة ، فقد سبق وأن أفتى عشرات الفقهاء بحرمتها ، وتأكيد عدم جوازها ، بل لم يوجد لدينا من علمائنا المعروفين من يفتي بشياع العمل بها ، إلا ما شذ ممن يحسبون على مدرسة أهل البيت عليهم السلام جزافا ، لكن نحن بحاجة إلى مواصلة المشوار من قبل علمائنا اليوم ، وبحاجة إلى أقلام مثقفينا والمخلصين من أبناء المذهب ، نحن بحاجة إلى وقفة إنسانية صريحة من قبل أخوتنا في الحكومة أو البرلمان العراقي وممن لهم أثر في المجتمع ، نحن جميعا مدعوون للتكاتف والعمل المشترك لنقول كلمة صريحة واضحة في عدم جواز الاستمرار بمثل هذه الممارسات التي تضر بالمجتمع وتشوه معتقده ، أما إذا وقف البعض صامتاً خائفا على مركزه الديني أو السياسي فإنه بلا شك يرتكب خطئاً جسيما بحق المذهب ، ويرتكب إثم من فضَّل مصالحه الدنيوية على مصالح الأمة والمجتمع .
ستبقى مدرسة أهل البيت عليهم السلام سفينة النجاة وأمل خروج العالم من الضلال وبزوغ فجر دولة العدل الإلهي إنشاء الله .