والمتأمل في هذا التصلب يجده ناشئ إما عن الارتباط بدول إقليمية تقوم بتمويل تلك الجهات لتحقيق مصالح معينة، وعليه فإن الجهات المرتبطة إقليمياً تفتقر إلى الإرادة المستقلة وإنها مسيرة وليس مخيرة ولا تستطيع أن تتمرد على مصادر التمويل وأصحاب المصلحة في كلّ المواقف المتصلبة، أو أن الجهات غير المرنة تشعر بالقوة التي تمكنها من فرض رأيها على بقية أطراف العملية السياسية، وإملاء أرادتها عليهم، وهذا على الصعيد الواقعي والفعلي غير موجود لعدم وجود أي طرف من أطراف العملية السياسية العراقية قادر على قهر الآخرين وإجبارهم على الخضوع لاملاءاته لذا يترتب على هذا التصلب هو جهل بعض الفئات بقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية الخاصة بالعراق أي ديمقراطية التنوع والتعدد التي تصبح توافقية أحياناً وأحياناً أخرى ليست كذلك.
ومما لا يخفى على احد أن التصلب ينتج تصلباً مقابلاً لدى الأطراف الأخرى، وهو الحال الذي وسم التجربة السياسية العراقية منذ سقوط الطاغوت وحتى اللحظة الراهنة ليستمر الشد والجذب بين الفرقاء مقروناً بعدم المبالاة بما يعتمل في نفوس الناس من غضب دفين على مجمل الخلل الذي ينتاب الأوضاع التي وصلت إلى حد لا يمكن السكوت عليه.
فلطالما رأى الناس تصاعد العمليات الإرهابية مع تصعيد المناوشات بين الساسة وهو أمر لا يحتاج الى كثير من الذكاء لفهم ما وراء الأكمة، والأنكى إننا نفاجئ بوجود ناس على قمة الهرم ضالعين في سفك دماء الناس الابرياء ويمارسون الجريمة المنظمة مستفيدين من الموقع السياسي لحصد الأرواح وتقطيع الأشلاء وليس لأجل الذي انتدبوا له، وهو توفير الحماية والأمان والعمل، والأدهى من ذلك يتصل ببعض الجهات الدولية ليحبط صفقات التسلح التي تمنح البلد القدرة على الدفاع عن أراضيه بالادعاء أن هذا السلاح يشكل خطراً على وجوده فهل بعد هذا الهزال من هزال.
وهكذا نجد أن هؤلاء يسترخصون الوطن ويقدمونه قرباناً على مذبح المصالح الخاصة والفئوية، وبعد كل هذا لا نستغرب من هؤلاء التصلب في المواقف بل إذا لم نحسن الظنّ نجد إنهم أصلاً قاصدون لإيصال الأوضاع إلى هذه المنحدرات ونحن نعلم ان أغلب الأطراف الإقليمية لا تريد للعراق الخروج من أزماته، لأنها لا مصلحة لها بوجود عراق قوي إلى جوارها وان عراق ضعيف يمكن أن يمثل لقمه سهلة لأطماعها الإقليمية، وهكذا التقت إرادة بعض الأطراف الداخلية بمصلحة الإقليم واتحدت الأهداف لكنّ هذا نفسه سيشكل دافعاً للقوى الخيرة للتعاون وتكوين جبهة ضد أصحاب الأطماع.
وان الفرز ليس عملية صعبه فإننا من خلال منهج كلّ طرف يمكننا أن نحكم على موقعه ضمن أيّ طرف، وهل هو ضمن فلول البعث التي تسللت إلى العملية أو تلك القوى التي قدمت الغالي والرخيص من أجل تخليص العراق من الطاغوت، إن الأوان توضع النقاط على الحروف.