إنّ من يدقق النظر في صراع (الشراكات) لواقع السياسة الألفينية المعاصرة يلحظ بشكل جلي التطرف -المعلن تارة والمضمر تارات أخرى للعديد من القضايا التي تشكل اغلبها قاعدة ما أكل الدهر عليه وشرب.
المعلوم ان لكلّ عصر قوانين تختلف عن العصر الذي يسبقه وهذه مسلمات تفرضها طبيعة الحياة الكونية (بغثها وسمينها)، فلو أجرينا كشفاً لواقع الحياة السياسية في الغرب نجد ان القوانين الحزبية والسياسية تختلف بإختلاف شرائح المجتمع واحتياجاتهم الحياتية بشكل مبسط يبتعد عن التعقيد والغلو وبما يتوافق وطبيعة العصر او المرحلة التي تشهدها الحياة الواقعية، هذا يبرّر الاستقرار الحياتي للمواطن الغربي بمعزل عن الصراعات التي تشهدها القاعات المغلقة او الشاشات المعلنة، المواطن هناك يحيا حياة كريمة مع الاحتفاظ بحقه الثابت في محاسبة من يغادر الوسطية الى التطرف، وهي صبغة واضحة المعالم في المجتمع الغربي .
الملفت للنظر في واقع حياة المواطن العربي هو التفاوت الواسع بين دعوى السماء وإدعاء الارض، فقد دعت السماء الى الوسطية في اكثر من موضع في كتاب الله العزيز((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))، وكذلك كانت دعوى أولياء الله الصالحين كما في وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع" ((لا تكن لينا فتعصر،ولاتكن قويا فتكسر))هذه الدعوى بكل مقنناتها الانسانية والفكرية المعمقة لم يكن لها صدى في الارض سوى ادعاء الوسطية التطرفية – ان جاز التعبير-فنحن امة وسطا قولا لكن فعلنا تطرفيا بامتياز، هنا تكمن علة التهاويات والمنزلقات التي لم ينفك المجتمع العربي صريع مبتكريها المبتعدين عن التوسط ،المقتربين من التطرف.بما منح – مقدما- شهادة وفاة لكل بادرة تحاول خلع لباس التطرفية الهدمية، والتزين بجلباب الوسطية الواقعية.
إنّ مسك العصا من الوسط في مجمل مفاصل الحياة ليس بالأمر العسير، بل هو من مستلزمات المرحلة في المفصل السياسي- تحديداً- فحين تتشابك الأطياف و(تتخلبص) النحل والمعتقدات، تصبح الوسطية مطلباً حضارياً ان لم نقل مطلباً إنسانياً.
في عراق ما بعد الخلاص كادت الوسطية (أن تأتي أكلها) لولا تلاعب المصالح الفئوية والتكتلية بعقول ساسة اللاسياسة،هذا الانصياع لسلطة (الأنا) المقيتة أتى على بنيان بعض التحزبات العراقية ان لم نقل معظمها – ممن كان لها (قصب السبق) في تحقيق الانفراج حتى ضاع اخضر ها بسعر يابسها.
الوقوع في فخ التطرفية السياسية لم ينجُ منه (إلا ما رحم ربي)، في مقدمة هؤلاء المرحومين نجد المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي لا يكتفي بإدعاء الوسطية ، بل يدعو اليها بالعمل و(الموعظة الحسنة)، فمنذ ( شهيد المحراب-قده-)مروراً بعزيز العراق-رحمه الله- وصولاً لعمار الحكيم -دام عزه- احتلت الوسطية خانة العمل (الحمائمي). فعقد الزمن الذي مر على إعدام الدكتاتورية وإحياء الديمقراطية لم يمر دون مكائد ودسائس المغرضين ممن أغاضهم واقع العراق الحر ، فسعوا – بكل طاقاتهم – الى رميه في احضان التطرفية الدينية –تارة – والعرقية – تارة أخرى كلما وصلت عجلة الخلاص الى أعتاب قطف الثمار، فلا نجد من متصدٍ لتلك المحاولات سوى المجلس الاعلى بقيادته مما منحه ثقة ديناميكية لدى جميع التحزبات والتكتلات السياسية، لم يكن هذا الامر بمعزل عن المنهج الاخلاقي الذي التزمه المجلسيون فسياسة الوسطية واحتواء الاخر لم تكن محض مرحلة، انما جعلت منهجاً سلساً ومتسلسلاً من اجل الوصول بالآخر الى بر التعبير عن الفكر والمنهج مع إلزامية حتمية بتقديم الاهم على المهم – بما يتعلق بمصلحة الوطن والمواطن-دون ان يكون الاختلاف في وجهات النظر مدعاة الى افساد الود مع ذلك الآخر.
لاشك ان التطرف قد ضرب اطنابه في ارجاء العملية السياسية العراقية، لكن الانصياع الى مبادرات التوسط من شأنه القضاء على ذلك، ولعل في مقدمة تلك المبادرات الجلوس الى طاولة مستديرة التي مابرح (عمار الحكيم ) الدعوى اليها لضرب التطرفية في مقتل، وهي دعوى على التكتلات إخراس ضجيج خلافاتهم ليسمعوها بوضوح.