كانت آنذاك ثورة التحرير في فلسطين والبحرين وظفار في عمان، وكانت ثمة مراحل لاستكمال أساسات التحرير والبناء في الجزائر، ونشوء نهضة أحرار الجزيرة في السعودية، وانطلاق حركات التحرر في نيكاراغوا وشيلي وكمبوديا ولاوس وغير ذلك من ثورات الحرية في مختلف دول العالم.. وقد كانت جميع الشعوب المتحررة تسند هذه الحركات وتدعمها بكل الوسائل، ناهيك عن تأييد الطبقة المثقفة في المجتمع العربي، فكان من المعيب على المثقف أن لا يكون في صف المناضلين المدافعين عن الحرية والعدالة الإجتماعية على الرغم من اختلاف العقائد، والطوائف، والأديان..ولما انهار المعسكر الاشتراكي واختل ميزان القوى في العالم، كان من الطبيعي أن تتراجع مسيرة القوى التقدمية والثورية، وأن تتغير الكثير من المفاهيم والمواقف أيضاً.. حتى أصبحت بعض البلدان والإمارات الصغيرة التي لا يزيد وزنها المعنوي والمادي والقيمي على وزن الذبابة كقطر مثلاً، حواضن للقوى والفاعليات المغيرة سلباً، كما حصل للأسف في إنعطافة الربيع العربي التي ليس فيها من الربيع غير الاسم فقط، فأصبحت بعض الأنظمة العفنة البالية كالنظام السعودي لاعباً مهماً في تقرير مصير بعض الأنظمة في المنطقة..لذلك فإن إنبثاق أي حركة حرة شريفة في البلدان العربية هذه الأيام يعد بمثابة المغامرة والإنتحار، وذلك بسبب قوة وبطش وإمكانات الأنظمة الشمولية المواجهة لها، وتداخل الخنادق والمواقع والتسميات بحيث أصبح الإرهابي ثائراً، والثائر الباحث عن الحرية إرهابياً، فضلاً عن عدم توفر المنابع التي تروي شرايين الثورة، وتسقي أزاهير الحرية. لذلك فإن محاولة الشعوب المقهورة لنيل الحرية والعدالة والمساواة هي قضية مقدسة يجب على كل شعوب العالم دعمها وإسنادها مهما كانت ألوانها الدينية والمذهبية والقومية. بمعنى يجب دعم ثورات الحرية والإنتفاضات الشعبية سواء كانت علمانية أو إسلامية ، مسيحية، أو درزية، شيعية أو سنية، عربية أو كردية أو سنسكريتية..إذ لا يمكن دعم الحركات والإنتفاضات والثورات التي تحدث في هذا الجزء من العالم، ومقاومتها في الجزء الآخر.. ولا يجوز مساندة هذا المشروع التحرري في هذا البلد، ورفضه في بلد آخر. ولا يعقل أن تدعم حركة معينة لأنها ذو لون سني، بينما تخنق حركة مماثلة لأنها ذو لون شيعي. وتأسيساً على هذا الوضع يجب علينا كدعاة للحرية وحقوق الإنسان أن نتجرد من الهواجس الطائفية، والسياسية فندعم نهضة الحق والإنصاف لشعب البحرين المظلوم مثلاً، لأن من العار أن تدعم الدول العربية بكل إمكاناتها عصابات عرعور في سوريا - لكون هذه العصابات وهابية / سنية - بينما تذبح الشباب المتطلع للحرية، والمنادي للعدل والمساواة في البحرين، لكون هؤلاء الشباب من الطائفة الشيعية..ونفس الشيء سيقال عن إخوتنا في المنطقة الشرقية للملكة السعودية، حيث تواجه تظاهراتهم السلمية بمختلف الأسلحة الوهابية الفتاكة. وفي مقابل هذه التجاوزات والانتهاكات الإنسانية التي يمارسها النظام السعودي المتخلف بحق أبناء الطائفة الشيعية في القطيف، وخصوصاً في (العوامية) فإن لا أحد يجرؤ على رفع صوته مندداً بما يفعله نظام التخلف السعودي، سواء من قبل الجامعة العربية، أو من قبل المؤتمر الإسلامي، أو حتى مجلس الأمن، فيطالب بوقف حمامات الدم المستمرة لهذه الطائفة المحرومة من أبسط حقوقها الوطنية والإنسانية والمذهبية. فالحرية واحدة، سواء كانت في المنامة أو في حلب، ودم الإنسان غال في الميزان الإنساني، سواء كان في العوامية أو في ريف دمشق.. والغريب أن دعاة حقوق الإنسان في باريس ولندن وواشنظن وبرلين (وسوق جمالة) متحمسون اليوم جداً لحقوق الدم السوري، لكنهم باردون (وأبرد من طي... السقه)!! تجاه دم الشيعة في البحرين، والسعودية..فهل باتت قيمة المجرم الوهابي اليوم أغلى من قيم الحق والعدل والشرف والإنسانية؟! ولعل بارقة الأمل الوحيدة لهؤلاء المظلومين تكمن في وثبة الشيخ البطل نمر باقر النمر ورفاقه الثوار الأبطال، وهم يتصدون بصدورهم العارية لرصاص الوهابية في العوامية، فيؤسسون بدمائهم الطاهرة لحضارة جديدة، وقيم جديدة، ونضالات جديدة، ليس فيها مكان لمثل هذه الإزدواجية العفنة، ولا وجود لمثل هذه الطائفية المقيتة. لقد وقف النمر البطل ورفاقه بوجه الطغاة قبل أيام قليلة بقوة وشجاعة من دون سلاح، متحدين بذلك سلطة التخلف السعودية ومتقدمين جموع المحرومين في أشرس مواجهة غير متكافئة مع العدو..فكان رد القتلة رصاصاً وموتاً وعنفاً لا مثيل له.. حتى استشهد عدد من المتظاهرين، وجرح الشيخ نمر، ليعتقله بعدها الجبناء وهو يحمل في ساقه رصاصتين، فيمضي بجراحه ودمه نحو زنزانة إنفرادية، بينما ظلت جروحه تنزف دماً طاهراً شريفاً من دون علاج.. ومع هذا الأمر الذي لم يسبق له مثيل، فإن لا أحد أشار إلى هذه الجريمة الفريدة، ولا من ندد بها أو استنكرها قط. فلا حكومات غربية متحضرة، ولا منظمات إنسانية، ولا قنوات فضائية عرضت مأساة شيخ كبير يقاد إلى الزنزانة برصاصتين في ساقه الجريحة .. فأين العدل، والحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان ؟ فمجداً لأحرار البحرين والسعودية، وسلاماً لنمرنا الجريح.
فالح حسون الدراجي