وبحسب احصائيات رسمية لوزارات الصحة والداخلية والدفاع العراقية، بلغ عدد ضحايا العمليات الارهابية خلال شهر تموز-يوليو الماضي، ٣٢٥ شخصا، بينهم ٢١٤ مدنياً، و٤٤ عنصراً في الجيش، و٤٠ من أفراد الشرطة، ويعد هذا الرقم هو الاعلى خلال عامين.
واستنادا الى الوقائع على الارض، ارتفعت وتيرة العمليات الارهابية النوعية خلال الاسابيع الاربعة الماضية، بشكل اظهر ارتباك الحكومة العراقية امنيا مضافا اليه انعكاسات جملة ازمات واحداث داخلية وخارجية على ادائها.
ولعل عملية اقتحام مبنى مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وسط العاصمة بغداد الاسبوع الماضي من قبل عناصر ارهابية اشر بوضوح الى ان هناك خللا كبيرا في بنية المنظومة الامنية والعسكرية العراقية، وان العدة والعدد الهائل لها لم يفلح في كبح جماح الارهاب واحباط المخططات التخريبية.
ولم يقتصر المشهد على عملية اقتحام مبنى مديرية مكافحة الارهاب ومحاولة اطلاق سراح ارهابيين كبار كانوا موقوفين هناك ضمن أربعمائة موقوف على جرائم وتهم مختلفة اغلبها ارهابية ذات بعد سياسي، بل حصلت محاولة لاقتحام سجن التاجي، الذي يعد من اكبر سجون العراق، وحصلت هجمات على مراكز شرطة في مدن اخرى مثل تكريت، ناهيك عن استهدافات متواصلة بكواتم الصوت والعبوات الناسفة لكوادر وظيفية متقدمة ووسطى في مؤسسات الدولة لاسيما الامنية منها.
المشهد العام في بعديه السياسي والامني يبدو مضطربا الى حد كبير، وربما لايختلف اثنان في ان تفاعلات الازمة السورية القت ببعض من ظلالها على ذلك المشهد، والذي عبرت عنه الاستقطابات السياسية الحادة والمزايدات الاعلامية، وتدفق اعداد لايستهان بها من السوريين الى الاراضي العراقية، ناهيك عن ان الضربات التي تلقاها تنظيم القاعدة في سوريا على ايدي الجيش النظامي، دفعت عدد من عناصره الذين عبروا في اوقات سابقة من العراق الى سوريا، وبعض الذين دخلوا الى سوريا عبر الاراضي التركية الى الفرار نحو العراق، وحتى لايبدو التنظيم منهزما ومنكسرا، فقد راح يخطط وينفذ عمليات ارهابية في العراق، مستفيدا من معرفته وخبرته بتفاصيل كبيرة عن مجمل الوضع العراقي، وامتلاكه امتدادات وعيون في مؤسسات ودوائر حكومية عديدة تتيح له الوصول الى مواقع ومواضع حساسة ومهمة كما هو الحال مع مديرية مكافحة الارهاب.
بعبارة اخرى يمكن القول ان الازمة السورية انعكست حتى الان سلبا على الواقع العراقي العام، بيد ان اية مكاسب تتحقق على الارض لتنظيم القاعدة هناك، ايا كانت العناوين التي يتحرك بها، فأنها ستعني على المدى البعيد مزيدا من التعقيد والتأزم والفوضى والارتباك في المشهد العراقي، ومن غير المستبعد ان تفرز سيناريوهات جديدة، وتفرض اجندات ومشاريع تصب في خدمة قوى اقليمية ودولية، لعبت ومازالت تلعب دورا تخريبيا سيئا في العراق.
ويشير عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة المواطن المنضوية في التحالف الوطني العراقي علي شبر الى "ان الأوضاع المربكة في سوريا والخلافات السياسية وراء ارتفاع حصيلة ضحايا أعمال العنف خلال شهر تموز الماضي في العراق"
ويضيف النائب شبر قائلا "إنه عندما تكون الأرقام عالية بهذه الدرجة يكون هناك تقصير من قبل الأجهزة الأمنية".
ويؤكد خبراء امنيون عراقيون وغربيون ان تنظيم القاعدة يجمع اموالا ويضم مقاتلين جددا بل وترتفع معنوياته على جانبي الحدود ليستعيد حيويته بعدما تكبده من خسائر على ايدي القوات الاميركية والقوات العراقية خلال السنوات الماضية, ويضيفون "ان الازمة السورية تتيح مجالا يجتذب منه جناح تنظيم القاعدة المهيمن في العراق مسلحين وموارد لخدمة قضيته، ربما يكون ذلك احياء للثقة في قطاع من المتطرفين السنة".
ولعل الطريقة التي تم بها اقتحام واحدة من اكبر واهم واخطر المؤسسات الامنية العراقية، تؤكد ان تنظيم القاعدة مازال يمتلك الكثير من مقومات وعناصر القوة، وان عملية "هدم الاسوار" التي تحدث عنها زعيم التنظيم في العراق قبل اكثر من اسبوعين تعكس وجود تخطيط دقيق الى حد كبير وسعي متواصل لاستغلال مختلف الهفوات والثغرات ونقاط الضعف، والازمات السياسية في العراق، وحالة التذمر والاستياء الشعبي لدى اوساط وشرائح اجتماعية عديدة جراء تدني الواقع الخدمي على وجه العموم.
وقبل عملية اقتحام مديرية مكافحة الارهاب، فأن سلسلة العمليات الارهابية التي وقعت في وقت واحد تقريبا وفي مدن عديدة ولعدة مرات اخرها في الثالث والعشرين من شهر تموز-يوليو الماضي اشرت بما لايقبل الشك ان الوضع الامني في العراقي يبعث على المزيد من الخوف والقلق الجدي، وان تفاعلات الازمة السورية تعمق ذلك الخوف والقلق وتوسع مساحاته وترفع مدياته.
ويبدو انه في الوقت الذي توجد عدة عوامل تساعد على عدم انحسار مستوى الارهاب في العراق خلال المرحلة الراهنة وعلى المدى القريب والمتوسط، فأن المراقب لايلمس اية عوامل –او حتى اشارات في الافق-من الناحية الواقعية من شأنها ان تدفع بأتجاه اصلاح الواقع الامني العراقي واحداث نقلة نوعية فيه، بسبب طبيعة الازمات السياسية الحادة وانعدام الثقة بين الفرقاء، والتقاطعات-او القطيعة-بين العراق وقوى اقليمية لها قدرة على التوجيه، او قل التخريب والتدمير، ناهيك عن تداعيات الاحداث في عموم المشهد الاقليمي العام، وربما كانت القراءة المبكرة التي ذهبت الى ان ما يسمى بـ"الربيع العربي" ستدفع تنظيم القاعدة الى مغادرة العراق واختيار مواطيء اقدام وقواعد ومنطلقات جديدة في بلدان عربية وغير عربية اخرى، ربما كانت تلك القراءة قاصرة وسطحية الى حد ما.
بأختصار لايوجد في الافق ما يوحي بتوقف نزيف الدماء في العراق خلال وقت قريب.