قضية فلسطين وما تعرضت له مقدسات ذلك البلد، وابنائه على امتداد اكثر من ستة عقود من الزمن، اي منذ اغتصاب الصهاينة لها في عام ١٩٤٨، يعد امر مريعا ومأساويا بالحسابات الانسانية، فالصهاينة لم يتركوا جريمة الا وارتكبوها بحق المستضعفين من ابناء الشعب الفلسطيني المسلم، وبعض ابناء الشعوب الاخرى، وساعدتهم ودعمتهم في ذلك قوى كبرى.
ومازال ابناء الشعب الفلسطيني يتعرضون لشتى صنوف العدوان والظلم والاستبداد البعيد كل البعد عن مباديء كل الرسالات والاديان السماوية، والبعيدة كل البعد كذلك عن القوانين الوضعية المتعلقة بحقوق الانسان وحق الشعوب والامم في العيش بسلام وامان.
ان يوم القدس العالمي صرخة المظلومين والمحرومين والمضطهدين والمستضعفين بوجه كل اشكال ومظاهر الظلم والاستبداد والتسلط والطغيان، وهي وان اقترنت بيوم محدد، وبرمز معين فأنها رسالة شاملة ومتعددة الجوانب والابعاد.
والقدس، هي رمز ديني عالمي، ومظلوميتها تعكس صورة مصغرة لواقع الظلم والاستبداد الذي تأن تحت وطأته شعوب ومجتمعات عديدة، في ازمان وعصور مختلفة، وهي تعكس صورة مصغرة لواقع الصراع بين المستضعفين والمستكبرين الذين تحدث عنهم كتاب الله المجيد في مواضع مختلفة.
واننا كمسلمون وغير مسلمين نعيش هذا الواقع في كل يوم بمظاهر واساليب وصور متعددة، ونحتاج دائما الى استلهام معاني ودلالات الصراع واهدافه ومراميه ودوافعه، ومعطياته وحقائقه، واستشراف نتائجه ومدياته على ضوء السنن التأريخية، وليس استنادا الى الواقع المنظور، الذي ربما يرسم صورة مشوهة وغير حقيقية له.
لقد ابقى الاجماع العربي والاسلامي قضية ظلامة الشعب الفلسطيني حية ومتحركة في ضمائر المسلمين. وهذه كانت نقطة مهمة وجوهرية من اجل استمرار وديمومة المواجهة وتجنب الركون والاستسلام للكيان الغاصب.
ان الصهيونية تمثل خطراً في العالم الإسلامي ولديها أصابع وامتدادات هنا وهناك، وان العراق يتحمل جزءا من مسؤولية الوقوف بوجه الامتداد الصهيوني في المنطقة، وان يوم القدس العالمي هو ترجمة للوقوف أمام المد الصهيوني والوقوف إلى جانب فلسطين والقدس، والدعوة لإنهاء الدولة الصهيونية الغاصبة".
لاشك ان احياؤنا واستذكارنا ليوم القدس العالمي ينبغي ان يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويمتد الى جوهر المفهوم ومصاديقه الكثيرة. لان الصراع بين الحق والباطل، وبين الظلم والعدل، وبين معسكر المستكبرين ومعسكر المستضعفين قائم ومتواصل، ونتيجته النهائية يعبر عنها قوله تعالى (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين).
والامام الخميني حينما بادر الى تحديد واختيار يوم لنصرة القدس والقضية الفلسطينية، انما انطلق من رؤية دينية انسانية عميقة، بعيدا عن العناوين القومية والشعارات المزيفة والادعاءات الفارغة، وبعيدا عن الحسابات السياسية الخاصة والمصالح الفئوية الضيقة، لانه قرن القول بالفعل، ومثل انموذجا حقيقيا وصادقا للدفاع عن ابناء الشعب الفسطيني وتبني قضيتهم تبنيا عمليا، وهذا ما لم يقم به زعيم اية دولة عربية او اسلامية لاقبله ولابعده.
١٤-اغسطس-٢٠١٢