بين فترة واخرى تتناول وسائل الاعلام العراقية ابداع عراقيا جديدا يولد ليموت بعد فترة قصيرة , واخرها الشاب العراقي الواسطي الذي ابتكر طريقة لحل ازمة الكهرباء وبوسائل بسيط لكن مشروعه لم يرى النور حاله حال المشاريع المبتكرة سابقا , بسبب بعد الدولة والمجتمع العراقي عن دعم العقول المبدعة وبالتالي تعطيل الفكر الذي يعلم عدم جدوى نشاطاته في وسط لا يثق بأمكانات ابناءه , في السياسة الموضوع يعتبر اكثر حساسية وبالتالي فأن اي اصلاح او مبادرة خيرة تحتاج الى من يقف خلفها ويؤازها ودون هذا الدعم فلا نتوقع تقدما على كافة المستويات علما ان الفرص تمر مر السحاب وقد لا نجد من يهتم في قادم الايام .
يختلف عمار الحكيم عن السياسيين في العراق فنرى مميزات هذا الرجل تنسحب حتى على عمره حيث يعتبر الاصغر بينهم , واجد ضرور وواجب ان نقولها ونفرز الغث من السمين وهذا جزء من الامانة اولا وثانيا لتشجيع اصحاب الرؤى الوطنية الواضحة والذين ذابوا في مصلحة الشعب والوطن وثالثا حتى لا نقع في تناقض فاضح , حيث نطالب بالإصلاح وتغليب المصلحة العامة وتبني هموم الناس ونغفل الطرف عن شخص صادق مع نفسه ومع شعبه مخاصما كل اخطاء الماضي والحاضر منقدا ذاته قبل الاخرين , يجب ان لا نبخس حقوق الناس , الدعم والاسناد والتشجيع عوامل ضرورية للخروج من المأساة , مع المركب الواسع واختياره يقينا خطر الغرق ويصل بنا الى بر الامان , لو استبدلنا الخلافات الجانبية حول هذا التيار ومشروع ذلك الحزب ومصالح تلك الكتلة وطالبنا بمشروع عمار الحكيم لساهمنا بمغادرة مستنقع الازمات .
لماذا مشروع عمار الحكيم ؟
الاجابة نجدها حاضرة بمتابعة احداث السنوات الثلاث الاخيرة , وضوح الرؤيا , وطنية المشروع وشفافيته , الشجاعة بالاعتماد على خطاب واضح يحدد ملامح المستقبل وكيفية التعامل مع الواقع وعدم الاتكال على استعداء فئة على اخرى او المراهنة على مخاوف طائفة من طائفة او عرق من اخر , اصرار على حتمية اللاعودة الى الخلف والانطلاق نحو البناء .
الملفت , ان ما يقرأه الحكيم ويحذر منه سلفا ويدعوا لتلافي حدوثه نجده يحدث بالفعل , وهنا نؤشر دقة في التشخيص وحرص كبير , والحرص هو المهم , والمؤسف ان لا نجد اليد التي تمتد لهذا الرجل لتعينه على النهوض بالواقع , طالما طرح حلولا للخروج من النفق الا ان الارادات المتناحرة تأخذنا الى نفق اطول واشد ظلاما , كيف لا وهي ارادات شخصية تحققت بصفقات مشبوهة يفضحها انفسهم من يوقعها ويتفق عليها ؟؟ ثم يعودون بعد ان يعجزوا ويتعبوا من الصراع في الحلبة الوطنية الكبرى للصراعات السياسية , يعودون لتبني مبادرات عمار الحكيم نفسها والتي دعا اليها سلفا دون الاشارة الى صاحبها ومطلقها , العجيب حقا ان يتجاهلوا منطق الحوار والجلوس الى الطاولة وتصفير الازمات الذي يطالب به الحكيم ثم يحتكموا اليه بعد هدر الكثير من الوقت والجهد والدماء اضافة الى تعميق الفجوة وما يلحقها من اضرار مجتمعية ؟؟ والاعجب من ذلك هو معرفة المثقف العراقي بهذه الحالة وعدم التطرق اليها خوفا من تهمة او خجلا من الاشادة بموقف رجل سياسة معمم او قد يكون لأن الشياع والرأي والمال السياسي احيانا يفرض تجاوز هذه الحقيقة وتجاهلها !! لا نجد الشجاعة والجرأة الكافية عند الاغلب , هم باقون في موروث قديم , موروث توزيع الاتهامات وتصديقها ثم اطلاق الحكم القطعي على ضحايا الماكنة الاعلامية الظالمة , بينما يفترض ان يتمتع المثقف بحرية فكرية ذاتية وان لا يعتمد على قناعات وجدها جاهزة دون الالتفات او مناقشة الحقيقة مع الذات قبل كل شيء .
المثقف هو قائد التغير والارتقاء , هو العنصر الفعال الذي يصنع الرأي العام ويؤثر فيه , لذا فالامانة والمسؤولية التي يتحملها المثقف اثقل واعظم من الاخرين , هو القادر على تغير الحكومات وقبل ذلك قادر على تغير المجتمعات , والاولى تتغير الى الاحسن بتغير الثانية نحو الافضل , يجب ان تكون اثار المثقف ولمساته واضحة على الواقع لا ان يكون متأثر بدعاية او اشاعة او يخشى التصدي لقول حقيقة معينة , ان يقول ما يعرف ويشخص دون ريبة او حذر .
ماذا جنى العراق وشعبه من ما يحدث ؟ وما دور المثقف في التأثير على الاحداث ؟ اليس من الواجب ان يشار الى الخلل والضعف وينتقده ويظهر الحقيقة والمنهج السليم ويشجها ؟ اعتقد ان هذا سيؤدي الى تأسيس حالة وعي سياسي لدى القادة السياسيين قبل الشعب وبهذا السبيل تخلق اجواء التنافس الشريف النزيه الذي اساسه الخدمة والتسابق نحو تقديم الافضل .
ان حركة عمار الحكيم المتزنة وخطابه السياسي المعتدل وتدعيمه هذه المواقف السياسية الرائعة بالنزول الى الميدان لتحسس الام المواطن والتواصل مع الجماهير وفي كل الاوقات , بمناسبة وبدون مناسبة , تعتبر حالة فريدة في الوضع السياسي العراقي القائم على التشنجات والتهور والابتعاد عن المواطن عدا في المواسم الانتخابية .