مرت عملية اقتحام سجن تسفيرات تكريت ومارافقها من مواجهات دموية بين الارهابيين من جهة وقوات الشرطة من جهة اخرى وكأنها شيئا عاديا وطبيعيا وبلامبالاة من قبل الحكومة ربما فاقت في درجاتها ومستوياتها اللامبالاة التي كانت تقابل بها عمليات مماثلة او مشابهة لعملية سجن تسفيرات تكريت.
ومن اية زاوية نظرنا اليها، فأن ابسط واوضح واقل وصف لها هو "انها عملية خطيرة للغاية، تعكس خلل وضعف واختراق وخيانة واجندات سياسية"، ولايمكن انكار او تجاهل حقيقة انها فضيحة من العيار الثقيل للحكومة الاتحادية وللحكومة المحلية والاجهزة الامنية في المحافظة، فهي تمت من خلال عملية خداع واستغفال من قبل بعض السجناء الارهابيين لحراس السجن، من خلال افتعال شجار داخل السجن وصل الى حد التشابك واستخدام ادوات جارحة، الامر الذي دفع حراس السجن الى التدخل لحسم الموضوع، مما اتاح للسجناء تجريد الحراس من اسلحتهم وانتزاع مفاتيح الزنزانات منهم.
ولم يكن ذلك كل السيناريو بل جزء منه، وكان الجزء الاساس والمفتاح الرئيسي هو تفجير سيارة مفخخة كان يقودها انتحاري امام بناية السجن، متزامنة مع هجوم عناصر مسلحة واستغلالهم ارتباك الحراس الخارجيين للسجن وانشغالهم بالتفجير ليباغتونهم وينتزعوا منهم اسلحتهم ويقتحموا بوابات السجن ويكملوا مهمة زملائهم الذين افتعلوا
الشجار فيما بينهم في الداخل لتنتهي العملية بمصرع العشرات معظمهم من عناصر الشرطة العراقية، وهروب عشرات السجناء المحكومين بالاعدام منذ فترة طويلة دون ان تنفذ بهم الاحكام لاسباب مجهولة، ولم تتأخر وزارة العدل العراقية في توجيه الاتهام لقيادة عمليات صلاح الدين في عدم تنفيذ احكام الاعدام بهؤلاء السجناء.
وهذه القصة ليست الاولى من نوعها ويبدو انها لن تكون الاخيرة، والمقولة المأثورة "ان المؤمن لايلدغ من جحر مرتين" لاتنطبق على الحكومة العراقية والاجهزة الامنية التابعة لها، ولايحتاج المرء الى التفكير والتأمل طويلا حتى يعثر على شواهد وادلة ومصاديق على ذلك، فعملية اقتحام مبنى مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وسط العاصمة بغداد اواخر شهر تموز-يوليو الماضي مازالت ماثلة في الاذهان وحاضرة في النفوس، ناهيك عن ان سجن تسفيرات تكريت ذاته شهد في السابق عدة محاولات لاقتحامه ولتهريب السجناء منه كان يفترض ان تدفع المعنيين الى اتخاذ المزيد من الاجراءات الاحترازية لمنع وقوع ماوقع ليلة الخميس-الجمعة الماضي.
فقد شهد السجن في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر من العام الماضي اندلاع أعمال شغب على خلفية نقل ١٣ معتقلاً إلى العاصمة بغداد بعد صدور قرارات قطعية بحقهم وفق التهم التي اعتقلوا بسببها.
وفي شهر نيسان-ابريل الماضي شهد السجن محاولة هروب جماعي لنزلائه من خلال نفق حفره السجناء، وقد تم احباط تلك المحاولة.
والى وقت قريب، وتحديدا في التاسع عشر من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، اي قبل اسبوعين فقط اعلنت قيادة شرطة محافظة صلاح الدين احباط محاولة اخرى لهروب السجناء من السجن المذكور.
وفي خضم تبادل الاتهامات ومحاولة التنصل من المسؤولية بين وزارتي العدل والداخلية، تشير الاخيرة الى ان السجن لم يخضع منذ فترة طويلة للتفتيش مما اتاح للسجناء تخزين الاسلحة فيه، وهذا كلام بعيد كل البعد عن الواقع، لان محاولات الهروب وتهريب السجناء التي اشرنا اليها انفا، واخرها قبل اسبوعين لاتتفق مع الادعاء بعدم خضوع السجن للتفتيش منذ فترة طويلة، وحتى في حال اقررنا جدلا ان ما ذهبت اليه وزارة الداخلية صحيح، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا .. ولماذا يهمل سجن يضم العشرات من الارهابيين الخطيرين وقسم منهم محكومون بالاعدام، وتتاح لنزلائه اجواء مناسبة للتخطيط للهروب بهذا الشكل؟.
وهناك امر غريب اخر هو ان كبار المسؤولين الامنيين في الاجهزة والمؤسسات المختلفة، يحذرون بأستمرار من وقوع عمليات ارهابية ومن وجود مخططات لتنظيم القاعدة وغيره لاستهداف المواطنين او مؤسسات الدولة بما فيها السجون والمعتقلات، ولكن يبدو انهم نسوا ان مهمتهم لاتتمثل بالتحذير وانما تتمثل بالحؤول دون السماح للارهابيين بأرتكاب جرائمهم وتعريض امن البلاد والعباد للخطر.
وبعد وقوع عملية اقتحام سجن تكريت راحت تتسرب المعلومات من داخل كواليس الاجهزة الامنية عن وجود مخططات مماثلة لتنظيم القاعدة لاستهداف سجون ودوائر حكومية في محافظة الانبار(الرمادي)، وهذا امر غير مستبعد جدا، ولكن ماهو مستبعد جدا ان ينجح المسؤولون عن زمام الامور في المحافظة على حرمة الدولة ومؤسساتها وصون ارواح الناس وممتلكاتهم.
ومن الغريب ان يتحدث من بأيديهم زمام الامور، والمعنيين بالملف الامني عن احتمالات وتوقعات واستقراءات لدوافع ومخططات تنظيم القاعدة، بينما الاخير يتحدث بصراحة ويكشف عن مايريد الوصول اليه بكل وضوح.
فقبل حصول عملية اقتحام مبنى مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة في بغداد بأيام قلائل ظهر زعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو بكر البغدادي في تسجيل صوتي يقول "أزفّ إليكم الاخبار الجيدة، سنبدأ مرحلة جديدة في صراعنا بخطة اطلقنا عليها اسم (هدم الاسوار)، ونذكركم بأن أولويتكم هي تحرير المسلمين الاسرى، وعلى رأس اهدافكم ملاحقة القضاة والمحققين والحراس وتصفيتهم".
و"هدم الاسوار" يعني فتح ابواب السجون وهدم جدرانها من اجل تحرير الارهابيين والمجرمين الذين يسميهم تنظيم القاعدة في ادبياته "الاسرى المسلمين"، وعملية هدم الاسوار بدأت بالفعل، بيد ان اجرءات احترازية وخطط عملية مدروسة لم تضعها الاجهزة الامنية لمواجهة مخطط تنظيم القاعدة.
ولعل ذلك لاينطوي على شيء غريب، اذا عرفنا ان الاجهزة الامنية مخترقة الى حد كبير من قبل الجماعات الارهابية، الى جانب تعدد ولاءاتها السياسية والحزبية، وتقاطع اجنداتها الداخلية والخارجية، ناهيك عن افتقارها الى المهنية والحرفية المطلوبة وضعف الشعور الوطني لديها، الى الحد الذي يكاد يكون مفقودا لدى الكثير من عناصرها وقياداتها.
من الخطأ تصور او افتراض امكانية تحسن الاوضاع الامنية بصورة حقيقية في ظل بيئة سياسية ملوثة بالخلافات والتقاطعات والمناكفات والمؤامرات وتصفية الحسابات مع غياب شبه كامل-او كامل-لهموم الناس واحتياجاتهم ومتطلباتهم الحياتية اليومية من قبيل الكهرباء والسكن والعمل والامن وغيرها.
مالذي يمنع تكرر حصول ما حصل في سجن تكريت في اي مكان اخر يمكن ان يكون داخل المنطقة الخضراء التي يقال عنها انها شديدة التحصين، فقبل بضعة ايام
قامت مجموعة ارهابية بأغتيال اربعة من الحراس الامنيين في احد مداخل المنطقة الخضراء بكواتم الصوت في وضح النهار، ومن يستطيع ان يقتل الحراس بهذه السهولة، كيف لايمكنه اختراق المنطقة شديدة التحصين والقيام بعمل انتحاري يستهدف احد المؤسسات او الشخصيات هناك وهي كثيرة جدا؟.
وفي ظل كل ذلك التردي والتداعي فأن الحديث عن اية انجازات امنية حقيقية لايتعدى كونه ضحكا على الذقون، واستخفافا بالدماء والارواح، وخداعا وتضليلا من الطراز الاول.
عادل الجبوري
Adil_aljiboury@yahoo.com