الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الصادق الأمين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين ،وبعد : فهذا بحث تناولتُ فيه جهود دارس ومفسر للقرآن الكريم فدراساته القرآنية قدّمتْ لنا مادة مهمة في الفكر القرآني من أجل فتح باب الثقافة القرآنية على مصراعيه لتناول المباحث الفكرية والاجتماعية في القرآن الكريم لكي تنهض بالمسلم من كبوته ،وتجعله يعيش مع موضوعية القرآن ومنهجيته فكراً ووعياً وممارسة ،وذلك جلي في كتبه القرآنية والتفسيرية إذ دعتْ إلى تحديد المناهج العامة للقرآن ،وجعلته أساس ثقافة الإنسان المعاصر ليستنطقه ،وينهل من رؤاه وأفكاره النيرة ليستعيد المسلم مكانته ،ويظهر دوره ومسؤوليته في واقعه الراهن فقد عني السيد الحكيم بهذه العلوم القرآنية لما لها من تأثير في فهم القرآن وتفسيره ؛ لأنّ هذه العلوم تعطي تصورات عامة عن القرآن ،وكيفية التعامل معه ،وفهمه ،وقيمته ، وأهميته ،ودوره في المعرفة الإسلامية والحياة العامة .
لقد بدأ السيد الحكيم بالتأليف والتدريس في علوم القرآن ثم انتقل إلى تفسيره ، وتمكن أن يرسم الهدف العام لنزول القرآن ،ويميز بشكل واضح بين دور التفسير التجزيئي ،والتفسير الموضوعي ،ويفهم الدور العظيم الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير فهو يعدّ تفسير القرآن الكريم من أعظم الأعمال العلمية والتربوية والدينية، وهو في الوقت نفسه يعده من أدق الأعمال وأشقها؛ لأنه يتعامل مع كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ،وقد عده الدارسون من المفسرين المعاصرين لما تمتع به من عقلية فذة ، وقدرات هائلة في تفسير النص القرآني والغوص في معانيه مستفيداً من أساتذته لاسيما أستاذه الشهيد الصدر(قدس سره) الذي فرّق بين المنهجين: التجزيئي ،والموضوعي مخالفاً إياه في ترجيح التفسير التجزيئي على التفسير الموضوعي لكنّا رأيناه وهو يفسّر سور: الحمد، والحديد،والصف،والممتحنة،والحشر يمزج في تفسيره بين النوعين فلم يستغنِ عن التفسير الموضوعي ،وهذا نابع من رؤية السيد الحكيم إلى أنّ القرآن الكريم قادر على استيعاب المشاكل الواقعية التي يعاني منها المجتمع الإسلامي إذ لم يغفل السيد الحكيم مشكلة المدارس الفكرية والمذاهب التي تطاولت على الكثير من الآفاق القرآنية ،وهذا يفرض وجود منهج للتعامل الصحيح مع القرآن ؛ لأن بعض المدارس التفسيرية قد تأثرت بعوامل وظروف تتعلق بالمدرسة أو المذهب الذي ينتمي إليه المفسّر لذا أحس السيد الحكيم باحتياج الفكر الإسلامي للتخلص من النظرة التجزيئية الضيقة ،والبحث عن محاور أخرى قد استوعبها القرآن من خلال نصوصه وآياته ،وهذا ما دعاه إلى البحث عن صيغة كلية وشاملة في وعي القرآن واستنطاق آياته من خلال منهج التفسير الموضوعي مفيداً من رؤى أستاذه الشهيد الصدر في هذا الصدد.
ويبدو من دراستنا منهجه في كتبه التفسيرية أنّ السيد الحكيم قد اختار لنفسه منهجاً تفسيرياً فريداً قريباً إلى منهج الدراسات الأكاديمية التي تعتمد على التقسيم والتبويب مما لم يألفه المفسرون الذين يعتمدون على تفسير السورة مبتدئين بأول آية ومنتهين بآخر آية فهو يبتدئ بلمحة سريعة حول السورة تتضمن اسمها أو سبب التسمية،وفضلها وآثارها،وزمن النزول أو سببه، والمضمون العام للسورة بعد ذلك يشرع في تقسيم البحث على مقاطع كل مقطع يتكون من مجموعة من الآيات ،ويضع له عنواناً ثم يأتي بيان المفردات المبهمة في كل آية من آيات المقطع إذ يبدأ ببيان المعنى اللغوي لهذه المفردات فضلاً عن بيان اختلاف دلالاتها في السياق القرآني حتى يصل إلى البحث التفسيري لكل آية في المقطع،وبيان الأقوال المهمة الواردة في تفسيرها وتعيين الصحيح منها ثم تناول بعض المواضيع التي يمكن أن تستفاد من آيات المقطع.