ما كشفته وزارة التخطيط في تقريرها الاخير رسم أبعاداً جديدة عن مساحة خارطة الحرمان التي يعاني منها المواطنون في العراق.. فقد أوضحت الوزارة أن مليون و(٩٠٠) الف شخص يعانون من الحرمان الغذائي في البلاد، كما ان نسبة الفقر بلغت (٢٣%) في عموم المحافظات معظمهم يتركزون في المحافظات الجنوبية والموصل لسوء وضعها الامني.
الوزارة في تقريرها كشفت عن خارطة توزيع نسب تلك الفئات مبتدئة من البصرة(٥٠٠) الف، ومروراً ببغداد (٣٥٠) الف.. وليس انتهاءا بذي قار التي فيها(٣١٢) الف شخص تحت خط الفقر..
ووفق خارطة الحرمان في البلاد للعام الفائت فإن نسبة التحسن والارتفاع في مستوى المعيشة كان طفيفا ولا يكاد يشكل رقما يعتد به.. والبيانات التي كشفتها وزارة التخطيط ومن قبلها العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية برصد مستويات المعيشة في العام تظهر مستوياتٍ مرتفعةً في معدلاتِ الفقر والفاقة في العديد من مدن واقضية وارياف البلاد خصوصا.
ويبدو ان خارطة الفقر التي رسمت العام الماضي وفق تقارير وزارة التخطيط اتسعت بعد ان أضيفت اليها العاصمة بغداد والموصل.. بالاضافة الى المحافظات التي حافظة على مستويات الفقر فيها كميسان والمثنى والقادسية وذي قار.
ووفق هذه الارقام فإن قرابة ربع سكان البلاد يقاسون شظفَ العيش وندرة موارد المعيشة وتدنيها، وأن نسباً كبيرة من تلك الشرائح يرزحون تحت فقر مدقع وفي ظل مستوى معيشي منخفض جدا، وبضمنها عوائل موغلة في مستويات الفقر ما يدفع بها الى الزج بابنائهم للعمل رغم صغر اعمارهم وعدم ملائمة اصناف العمل لهم.
والى جانب معدلات الفقر المهولة - بمقياس كون البلد يعيش على ريع النفط - فإن العديد من التقديرات والإحصاءات السابقة كانت قد كشفت عن نسب كبيرة من العوائل تعيلها نساء.. فقد كان قد اصدرت تقديرات لعدة منظمة اممية لنسب مرتفعة من العوائل التي تعلها نساء ومعدلات اكبر من الارامل التي تعيل ايتاما.. وخرجت تلك المنظمات بتوصياتٍ عديدة للحكومات المحلية والحكومة المركزية بضرورة انتشال تلك الاسر من وطأة الفقر والعوز.. غير ان الاجراءات المركزية والمحلية لم تكن بالمستوى المطلوب البتة.. إذ جاءت خارطة الحرمان للعام الفائت لتكشف ان الاسر التي تعيلها نساء تتجاوز نسبة (٣٢.١%) مقابل (٢٧.٤%) من الأسر التي يعيلها رجال.
وأمام تعدد التقارير المحلية والدولية الكاشفة عن الحجوم المهولة في معدلات الفقر والعوز والفاقة تتجدد المطالبات الشعبية والنخبوية بضرورة أن يصار الى تحسين وتنويع الادوات اللازمة لتنهيض المستويات الاقتصادية والمعيشية لتلك النسب الكبيرة من الاسر العراقية التي تسحق تحت وطأة الفقر.
كما تتجلى الحاجة لتخطيط واعٍ ومُبَرمَجٍ مستندٍ على قاعدةٍ رصينةٍ من الحقائق على المستويين الاتحادي والمحلي بُغية بناءِ قاعدة بياناتٍ علميةٍ ورصينة تضفي مزيداً من التفصيلاتِ والمعطياتِ على (خارطة الحرمان) تلك من اجل دراستها وتحليلها لوضع مؤشراتٍ صحيحة لتنهيض المجالات الخدمية الاساسية بما فيها توفير الامن الغذائي لتلك الشرائح المقهورة بصورة ترفع من المستويات المعيشية وفق جدولة زمنية قصيرة.
ومؤكد أن ذلك يحتاج دون مواربة لجهدٍ كبيرٍ من اللجان البرلمانية المعنية لتخليق تشريعات قوانين تكفل تنهيض مستويات المعيشة الدنيا لتلك الاسر والشرائح المعوزة في المجتمع العراقي ورفع قدراتها في مجالات الانفاق على الجوانب الخدمية والغذائية والصحية.
على اية حال.. العديد من التوصيات التي خرجت بها المؤسسات المعنية برصد معدلات الفقر المحلية والخارجية ركزت على حتمية إيجاد وبناء ما وصفته بـ(شبكة أمان موحدة) تعمل على تغطية جميع الشرائح والعوائل المعوزة بغية انتشالها من مستوياتها المعيشية المتدنية، فضلا عن العمل على وضع تشريعات قانونية تكفل لها ضماناً إجتماعيا في إطار حماية وطنية للفقراء في البلاد تعمل على رفع قدراتهم المعيشية عبر التوسع في إطلاق المخصصات المالية اللازمة لتحسين مستويات معيشة الفقراء والمعوزين بأعدادهم المليونية في البلاد، فضلا عن تضمين الموازنة المالية الحالية للعام ٢٠١٣ وكذلك الموازنات المالية اللاحقة تخصيصات مالية وافية تكفل انتشال تلك الطبقات من واقعها المأساوي، بما يتلائم والتحولات الجديدة التي تعيشها البلاد وفضاء الديمقراطية الفتية التي دشنها العراقيون بعد زوال النظام البائد، إذ لم يعد من المستساغ شعبياً ولا برلمانياً أن يُصار الى استمرار تجاهل حاجات الناس و(التفرج) على معاناتهم وهم يسيرون فوق ارض تحتضن اكبر احتياطي نفطي في العالم .