ومن اجل ان نتجاوز مرحلة الترقب وما تأول إليه نتائج هذه المؤامرات التي تتعاقب الواحدة تلوا الأخرى علينا ان نفهم ونحلل أسباب افتعالها ولماذا ظهرت في هذا الوقت ومن يدفعها ويمولها وكيف ستنتهي ؟
ان العامل الخارجي الذي كان في وقت سابق يتدخل ويحرك دون ان يظهر في الصورة بدأ اليوم يعلن معارضته ووقوفه ضد توجه وتطلعات العراق الجديد ودولته الفتية التي تريد ان تتجاوز أثار الماضي المقيت .
فتركيا بصوت "أردغان" بدأت تنادي بظلم الحكومة لشعبها ودعم كل تحرك من شأنه إسقاط الدكتاتورية الحاكمة في العراق ،على حد زعمه ، وتهديد "اردغان" بالذهاب لأمريكا ومناقشة الملف العراقي مع أوباما وايجاد بدائل للحكومة الحالية متناسية ان ما يتحدث به هو تدخل سافر في شؤون دولة لها سيادة وإمكانيات لو حركتها في الوقت المناسب لجعلت تركيا وغيرها ممن يتبجحون بالعداء له غارقة في مشاكل لا نهاية لها .
فيكفي تركيا تحركات حزب العمال الكردستاني وإيقاف الاستثمارات الكبيرة وبمليارات الدولارات للشركات التركية في العراق لإحداث زلزال سياسي واقتصادي في الداخل التركي .
أما القائمة العراقية التي ظهرت خلال هذه الأزمة أنها متخبطة ومفككة فما زالت تسعى بكل جهدها للحفاظ على صورتها المتماسكة أمام الرأي العام ، فرئيس القائمة العراقية "أياد علاوي" والذي ظهر في الأيام الأولى للتظاهرات على شاشات الفضائيات مستنكر الدعوات الطائفية والاجتهادات الشخصية لبعض أعضاء القائمة في المسيرات ورفع أعلام البعث وما يسمى "بالجيش الحر" أعطى الرسالة الأولى ان تحركات القائمة لا تنبع من صدر قرار واحد بل هناك تكتلات متناقضة تسير وفق مصالحها الفئوية والطائفية في الظروف الحرجة واللحظات الحساسة .
ليأتي انسحاب الناطق بأسم القائمة "حيدر الملا" من منصبة واتهامه أعضاء في القائمة بالطائفية دليل اخر على التشتت يضاف اليه مواقف بعض أعضاء العراقية من الأزمة الأخيرة ورفضهم التصعيد الغير مبرر وتحميل شخص مسؤولية الأزمة وأبعاد البرلمان صاحب المسؤولية في تشريع القرارات عنها.
فيما الجانب الاخر من القائمة العراقية التي يتزعمها "أسامة النجيفي" فقد حاولوا ومن خلال هذه التظاهرات ان ينقذوا "رافع العيساوي" من القاء القبض الذي كان قاب قوسين أو ادنى من ان يناله لولا تحشيد الجماهير في الانبار وأعطاء صورة ان استهداف "العيساوي" هو استهداف طائفي شخصي يمارسه المالكي على خصومه.
فالخطأ الذي ارتكبته العراقية في قضية الهاشمي وصدور مذكرة اعتقاله والاعترافات الموثقة التي ظهرت في الاعلام دون ان يكون للقائمة أي ردت فعل جعلها تتسارع في "التمترس" خلف الجماهير في محاولة لتجنيب العيساوي القاء القبض والاستفادة من الغضب الجماهيري .
لكن ما اعتقده من خلال متابعتي الدقيقة لهذه القضية منذ اليوم الاول هي انها طبخت جيداً في مطابخ مخابراتية محترفة لها تجارب ناجحة في افتعالها فلو تابعنا تسلسل الأحداث لوجدنا ان بدايتها كانت من دخول ضابط مسؤول في حمايات رافع العيساوي متهم بقضايا أرهابية في قضية الهاشمي الى المنطقة الخضراء بأوامر من العيساوي شخصياً وبحجة ان التهم التي كانت عليه قد زالت ليلقى القبض عليه ويعترف بعد نصف ساعة بوجود مجرمين مشتركين معه في الخط الأول لحمايات العيساوي وخلال اثنا عشر ساعة فقط تجمع العشائر والأحزاب وعناصر بعثية وجيش حر في الانبار ويتحرك السياسيون على القنوات الفضائية والتجمعات وينفثون سمهم الطائفي .
لقد استفاد البعض من هذه الأزمة ،وما أكثرهم أولئك المتصيدين في خضم الأزمات ليحصدوا مكاسبهم الدنيئة في التغطية على فشل خدماتهم للمواطن من خلال مجلس المحافظة والمحافظة التي يديرونها والتي تخصص لها المليارات من الدنانير ولا فرق بينها وبين أي مدينة عراقية أخرى لكنها ما زالت تعيش ظروف مأساوية بسبب تطفل مافيات المقاولات وتجار الاحزاب من خلال تقاسمهم التخصيصات تاركين ابناء المحافظة في بؤس وضيق وحاجة للخدمات متحينين الفرص لرمي التهم على الحكومة والطائفة والعزف النشاز على وتر التميز بين ابناء البلد الواحد.
كما علينا ان لا ننسى الانتخابات المحلية والتحضير لها ومحاولة توجيه الانظار الى قائمة وحزب وشخصيات بأنها هي الوطنية والاخرين أصحاب الموقف المعتدل والعقلاني هم العملاء والتابعين وغير القادرين على تمثيل ناخبيهم في مجالس المحافظات ، وهذا ما تمثل على ارض الواقع عندما طردت شخصيات ورفضت تصريحات وبيانات معتدلة ومنصفة في الازمة ووساطات من شيوخ عشائر بارزة كونهم لا ينتمون الى اديولوجيات الاحزاب المتنفذة والفاعلة في هذه الازمة .
ان ما طرح ليس بتكهنات او استنتاجات من نسج الخيال انما وقائع وأحداث جرت على الارض لها معطياتها ولها براهينها ووثائقها الدامغة لكنها تحتاج الى ترتيب ودراسة وتحليل دقيق ، فمن نتعامل معهم ليسوا بأناس فارغين انما هم قوى مدعومة من أجهزة لها ممارسات كثيرة في أثارت الفتن والأزمات في بلدان مختلفة يريدون من كل ذلك تحقيق غايات وأهداف .
ولكي لا ينجر البعض الى ما لا يحمد عقباه من طائفية تعيدنا الى عام ٢٠٠٦ و٢٠٠٧ علينا ان نستمع الى الأصوات المعتدلة والتحليلات الهادئة والهادفة والانتباه الى كل ما يقال من هنا وهناك وان يكون لنا موقف ممن يزرع الفتن ويدعوا الناس الى السلاح فهم تجار دم لا ربحت تجارتهم ولا وفقوا لنيل مبتغاهم.