نعيش هذه الأيام ذكرى وفاة سيد الكائنات وحبيب إلله العالمين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وأله وسلم الذي رسم لنا طريق الهدى والجنان وحذرنا من سلك طريق الضلال والنيران فضحى ما ضحى وأُوذية ما أوذي من آجل هداية الأنسان وجعله يعيش بكرامة وسعادة وسلام , فأحزاننا في هذه الأيام تنبع من الأعماق لأن فبألإضافة لوفاته الأليمة بدأت مأساة أل البيت عليهم السلام بل مأساة الحق وأهله فكانت البداية من البيت الذي كان يسلم عليه رسول الله (ص) حين دخوله ب( السلام عليكم يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) حين هجم القوم على هذا البيت فبدل أن يسلموا على أهله بالأمان جلبوا لهم النار وحطموا عليهم الباب وكسروا ضلع روحه التي بين جنبيه حيث يقول رسول الله (ص) ( فاطمة روحي التي بين جنبي ) فكانت المأساة عظيمة وكبيرة فبعد أن فقدت الأمة رسول الله (ص) وعاشت أيام حزينة لهذا المصاب الجلل ولكن أصحاب الدنيا لم يصبروا كثيراً حتى هجموا على البيت الذي تعيش فيه فلذت قلبه وحبيبته والتي يغضب الله لغضبها فلم يهدأ لهم بال إلا بقتلها لكي تلحق بوالدها صلوات الله عليهم أجمعين مظلومة مهظومة مكسور ضلعها .
فقد كان رسول الله (ص) أعظم الرسل والأنبياء بسبب أصعبيّة مهمته وأوسعيّة رسالته حيث كانت أبدية وعبوديته المطلقة التي أمتاز بها على جميع الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين وهذه بعض المواقف التي تبين ذلك : آدم (ع) آكل من الحنطة وهي ممنوعة عليه , والنبي (ص) مات ولم يآكل من الحنطة شئ وهي حلال عليه , ففي الحديث (ما أكل خبز برّ قط ).....(١) , نوح (ع) دعى على قومه , والنبي (ص) عندما نزل جبرئيل بالعذاب على قومه قال (أللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون)....(٢) , إبراهيم (ع) جادل مع الله تعالى في قوم لوط قال تعالى ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط )..(٣) والنبي (ص) في قضية تغير القبلة بالرغم من شدة معاناته وتعيير اليهود له إلا أنه حتى لم يطلب من الله تعالى طلباً ولا خاطب حتى قال تعالى في ذلك ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها )...(٤) , داود (ع) وإستعجاله في الحكم قال تعالى ( فغفرنا له ذلك يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ..)...(٥) , يونس ذهب مغاضباً قال تعالى ( وذا النون أذ ذهب مغاضباً فظن أن لن تقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )...(٦) , موسى (ع) خوفه حتى عاتبه الله تعالى فقال (إني لا يخاف لديّ المرسلون )....(٧) ومواقفه الإستعجالية مع الخضر (ع) .
بالإضافة لهذه المواقف لرسول الله (ص) مقارنةً ببقية الرسل والأنبياء سلام الله عليهم أجميعنً , فقد تحمل الشدائد والصعاب في سبيل تحقيق مهمته وتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى على أكمل وجه مما لم يتحمله غيره من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم جميعاً فقد تحمل أنواع كثيرة من العذاب والآذى حتى قال صلوات الله عليه ( ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت)......(٨) , والله سبحانه وتعالى قد كافأ النبي (ص) أكبر مكافئة عندما إختاره أشرف الأنبياء والمرسلين بل جعل جميع الأنبياء مقدمة لنبوته (ص) كما قال الله تعالى ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ...... ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا )....(٩) وعن أبي الحسن (ع) قال ( ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد (ص) )....(١٠) بالإضافة الى هذه المكافئة فقد جعله الله سبحانه وتعالى حبيباً لنفسه وهذه المقام يفوق مقام الخليل والكليم و ونلاحظ الخليل يطلب البركات والأفضال الإلهية والخيرات ولكن الحبيب تأتيه البركات والأفضال الإلهية مرغمة بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى دون طلب منه وهذه بعض الأدلة إبراهيم (ع) قال ( إني ذاهب الى ربي )...(١١) الرسول (ص) (أسرى بعبده ليلاً )....(١٢) ,إبراهيم (ع) والذي أطمع أن يغفر لي )...(١٣) الرسول (ص) ( ليغفر لك الله )..(١٤) ,إبراهيم (ع) قال وسط النار( ولا تخزني)....(١٥) و الرسول (ص) (يوم لا يخزي الله النبي )......(١٦) وغيرها من الأدلة التي تثبت علو مقام رسول الله (ص) عن بقيت الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعينً , بالإضافة لهذه العظمة التي أمتاز بها رسول الله (ص) فأن له عظمة كبير جداً هي تحمله الشدائد والصعاب من قبل نفسه من أجل إسعاد البشرية وإنقاذهم الى يوم القيامة من الضلال والإنحراف عن الطريق القويم الذي رسمه الله سبحانه وتعالى وهذه المسؤولية أعظم من مسؤولية النبوة والرسالة لأن النبوة والرسالة ما هما إلا مقدمة لهداية الناس وإرشادهم , لذا فأن هداية البشرية والسعادة التي حصلوا عليها الى يوم القيامة والتي سينالوها في الآخرة سيكون فضلها جميعاً للنبي (ص) لذا فكل ما نقدمه لرسول الله (ص) لا يوافي جزء يسير من معاناته التي وصفها المولى عزة قدره بالشقاء من أجل أن يصل إلينا الإيمان ويبعدنا من الضلال بالرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي تفصلنا عنه (ص) ولكنه بالرغم من ذلك لم يطلب الآجر والثمن ، بل طلب منا شيء واحد لا غير وهوالمودة والمحبة لآهل بيته سلام الله عليهم قال سبحانه وتعالى ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)...(١٧) وعن أبن عباس (أنها لما نزلت هذه الأية قالوا من قرابتك هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم قال (ص) (على وفاطمة وولدهما )...(١٨) ولكن نلاحظ الأمة اليوم تعطي ظهرها لطلب رسول الله (ص) بل تعمل بعكسه تماماً وهو الجفاء لأهل البيت سلام الله عليهم بل تفتخر عندما تقتل أو تعذب من يحب ويتودد لآل البيت عليهم السلام كما طلب منا رسول الله (ص) ، وتلاحق محبيهم من بلد الى بلد وتتعاون مع أعداء الإسلام من أجل التخلص من شيعة أهل البيت فكأن رسول الله (ص) طلب منهم العداء لأهل بيته لا التودد والتحبب فأنهم قد ذهبوا بعيداً بجفاءهم وبغضهم لأهل بيته فما أتعس هذه الأمة التي لم تستجيب لطلب رسول الله بحب أهل بيته والتودد لهم ، فسلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تبعث حيا شفيعاً لهذه الأنسانية لتنقذها من حر النيران وتدخلها سعادة الجنان .
(١) وسائل الشيعة ج٢٤ص٤٣٥(٢) بحار الأنوار ج١١ص٢٩٨(٣) سورة هود آية ٧٤(٤) سورة البقرة آية ١٤٤(٥) ٥سورة ص آية٢٥-٢٦(٦) ٦سورة الأنبياء آية٨٧(٧) سورة النمل آية ١٠(٨) بحار الأنوار ج٣٩ص٥٦(٩) سورة عمران آية٨١(١٠) الكافي ج١ص٤٣٧(١١) سورة الصافات آية ٩٩(١٢) سورة الاسراءآية١(١٣) سورة الشعراء أية ٨٢(١٤)سورة الفتح أية ٢(١٥) سورة الشعراء آية٨٧(١٦) سورة التحريم آية٨(١٧) سورة الشورى آية ٢٢ , (١٨) تفسير جوامع الجوامع- الشيخ الطبرسي ج٣ص٢٨٣