لذلك أصبح من السهل على صناع الأزمات والمشاريع الفئوية ان يجدوا المبررات لافتعالها والأرض الخصبة لنموها ،والنزول بها للشارع والتصعيد الإعلامي الغير مبرر سوى للمخططات الخفية , ولعل اخطر ما يواجهه العراق خلال الفترة الحالية في مشروع بناء دولته هو الطائفية واللجوء للجمهور المنفعل لتمرير مكاسب ضيقة في ظاهرة نوعية وتطور خطير ينذر بتداعيات اكبر.
فمنذ أزمة تشكيل الحكومة الحالية وما رافقها من تداعيات وتشنجات مروراً باجتماع أربيل ومحاولة سحب الثقة عن الحكومة وملف الهاشمي والمناطق المتنازعة وأخرها قضية العيساوي كانت الأصوات المتشددة والطائفية تتعالى من هنا وهناك ولا تريد لكل هذه الأزمات الحل ، لكن كما يقال "لو خليت قلبت" فقد كان لصوت العقل والسياسة المعتدلة القائمة على مبادئ ثابتة ومنهج المرجعية الدينية صوت المجلس الاعلى والسيد عمار الحكيم حضور في كل هذه الظروف يلجأ إليه المتخاصمون في إيجاد مخارج الأزمات التي دخلوا اليها وعجزوا عن إيجاد مفاتيحها .
والحق يقال ان المتابع لهذا الرجل وسياسة تياره تيار شهيد المحراب يسجل ألف إعجاب وتقدير لمواقفه المعتدلة والثابتة في أحلك الظروف يضاف إليها رؤية بعيدة بصورة تحليلية لمواقف معقدة تعيشها الساحة العراقية .
فلطالما نادى السيد الحكيم وهو ابن تلك المرجعية التي ترعى كل العراقيين بطاولة الحوار وتصفير الازمات ومحاولة إنهاء دور المتشددين والاستماع لصوت العقل والمنطق والحرص على لحمة العراقيين ووحدتهم لكن المتزمتين بالآراء ومن كل الإطراف أصروا ان يتخندقوا خلف مطالبهم وينادوا بمظلوميتهم دون النظر والحساب ان في هذا البلد شعب متنوع الأطياف والمذاهب وهناك شركاء مهما زاد عددهم او قل لا يمكن تهميشهم او تجاوز حقوقهم.
وكانت دائماً رؤى المجلس الأعلى متطابقة ومنطلقة من النظرة المتمعن والهادئة ذات القراءة الواقعية للمرجعية الدينية ، التي ترى ان مخرجات الحل في المشهد العراقي تأتي من الاحتكام للدستور ، فقد حرصت المرجعية دائماً على رسم طريق الحل من خلال تشخيص مكامن القوة فيه بما يضمن للجميع حقوقهم ويضيع على المتشددين الفرصة في نجاح مخططاتهم ، فالأخوة السنة بمعتدليهم وعقلائهم قبلوا بحكم القانون وحلوله الجذرية لمطالبهم مما يفتح الباب ألان على القوى الشيعية في التحالف الوطني أخذ المبادرة ومناقشة الممكن والمسموح ضمن الأطر الدستورية لإيجاد أرضية مشتركة يتفق الجميع عليها.
من جانب اخر أوجدت الحكومة وضمن صلاحياتها حلول لبعض المطالب قدمها المتظاهرون ووجدت طريقها للتطبيق في الفترة الماضية وهي تحتاج من الطرف الأخر ان يبرزها ويشير اليها في وسائلة وخطبة أمام المتظاهرين كخطوة ايجابية تشجع على انجاز باقي المطالب لتُمد جسور ثقة جديدة وتنعش الآمال في تجاوز هذا النفق المظلم.
إننا في هذا الوقت نعيش مفترق طرق يحدد خيار الحفاظ على مشروع دولتنا الموحدة أو يجرنا الى مخططات إقليمية تهدف الى اقتطاع أجزاء منه بمسميات وعناوين مقززة بدأت تظهر معالمه على شاشات الفضائيات العراقية والعربية التي اعتادت ان تكون طبول الفتن والمؤامرات في كل بلد تتسابق نشراتها اليه ، ويمكننا استشراف ذلك من الوجوه النكرة التي تعتاش على تحليلات الصراع وتأجيج العداء ودفع مكون باتجاه الأخر ومحاولة استدراج الناس البسطاء والمندفعين بلا وعي لعواقب الأمور بتصريحات تجير لصالح حربهم الإعلامية.
لذلك نحتاج وكجزء من مخرجات هذه الازمة ان نسلط الضوء على الأفكار والأطروحات الايجابية والواقعية التي يقدمها عقلاء القوم وسادة الرأي في خطبهم وتصريحاتهم يساندها في ذلك قوة إعلامية وطنية تعيد الثقة واللحمة بين ابناء الوطن الواحد وتحاول ان تزيل ترسبات التخندق والتعصب المذهبي من خلال أطروحات يقبل فيها بعضنا الاخر بكل ايجابياته وسلبياته ، فنحن يجمعنا العراق بروابط الأرض والدم والدين والعشيرة والمصاهرة والمصير المشترك التي لا يمكن لاحد ان ينكرها او يدعي انه قادر على التخلي عنها ، وليكن لدينا ثقة وطموح بعبورة المرحلة وصولاً لبر الامان وأن نتعظ من دروس مرت بنا وتمر في بلدان من حولنا "فالمؤمن لا يلدغ من جحراً مرتين"