قيل للامام علي عليه السلام :( كيف كنت تغلب الابطال ؟ فقال :( كنت اخرج الى الرجل منهم وانا اعتقد انني اغلبه وهو يعتقد في نفسه انني اغلبه ،فكنت انا ونفسه عليه )) .
كل المؤشرات تشير ان لا افق للانفراج لحلحلة الازمة التي تطبق على المشهد السياسي مذ شهر ، ويبدوا ان رهانات الحل من الداخل لم تفكك الازمة او تجد لها مخرج , فلجان الحكومة الخمس الدينية بقيادة الصميدعي والسياسية بقيادة الجعفري والقبائلية بقيادة العيساوي وال سليمان والوزارية بقيادة الشهرستاني والنيابية بقيادة خالد العطية قد فشلت جميعها من التوصل الى اتفاق مع قيادات المظاهرات ولا من تحقيق مطالبهم او تنفيذ وعود الحكومة التي قطعتها للمتظاهرين .
كما ان الحكومة قد عولت على الظروف الطبعية واللوجستية في ان تترك اثرها على المتظاهرين فيفضوا المتظاهرين تظاهراتهم بسبب البرد او المطر او في تقليل زخمها , وكانت الحكومة تعول على انفراط عقد الداعين او الداعمين لها في الداخل والخارج من خلال تقديم مجموعة من الاغراءات المادية وبعض المنافع الاخرى .
كما ان دعم بعض حلفاء التحالف الوطني للمتظاهرين كان له اثره الكبير في اطالة زخم التظاهرات وربما تعزيز القناعات لدى المتظاهرين في احقية شعاراتهم , وقد ساهم الخطاب السياسي المتشنج الحكومي المتمثل في تصريحات رئيس مجلس الوزراء واعضاء مجلس النواب في كتلة دولة القانون في تضخيم فكرة العناد عند كثير من المتظاهرين وقد اشار الى هذا الموضوع ممثل المرجعية السيد احمد الصافي اذ قال (( ان الانسان قد يتحدث بكلمة وهذه الكلمة قد تفتح جراح ونحن بامس الحاجة الى تضميد الجراح ولملمة الشتات ، واضاف في خطبته يوم ١٨/١/٢٠١٣ بان المرجعية ومنذو سنة لم تجد اذان صاغية وقاطعت الحكومة ، واردف قائلا لماذا البلد الايستحق منا جميعا بذل الجهد لحل المشاكل العالقة , ونحن بامس الحاجة هذه الايام الى تطويق المشاكل التي تواجه البلد )) .
كما ان فكرة العناد والتي ميزت اداء رئيس الوزراء وبعض قيادات حزب الدعوة معولين على المماطلة والتسويف في حل كثير من الازمات التي واجهتهم وفي هذه المرة تفاجئوا بعناد وإصرار جماهيري لم تقف بوجهه رصاصات التخويف التي اطلقتها قوات الجيش العراقي .
ان استراتجية العناد كما يقول السيد عبد السلام بروادي سعت وتسعى الى تعطيل كل شئ في البلاد فالحكومة معطلة بسبب عدم عقد اجتماعاتها ، والبرلمان ومنذو اكثر من شهر معطل بسبب عدم حضور النواب دولة القانون للتصويت على قوانين عديدة والمجتمع العراقي معطل وقلق وفيه اربع محافظات تتصاعد فيها نذر العصيان وممكن ان تنظم بعض المناطق السنية في بغداد لها وهذه المحافظات وغيرها يتعرض السلم الاهلي فيها الى خطر ويمكن لاي خطا امني او عسكري او اي احتكاك مجتمعي ان يشعل حربا اهلية من جديد .
ان العناد السياسي بين الحكومة والجماهير وضيق الافق السياسي لدى قادة النخب السياسية في العراق وفكرة القفز على الحلول ساهمت في انسداد افق الحل وعطلت الوطن وحولت المطالب المشروعة وكونها مطالب مكون ضد مكون وعناد بين سياسي وسياسي اخر , هذه الامور مجتمعة ستصعد لا محال من سقف المطالب للمتظاهرين وان ركوب بعض تجار السياسة في الداخل و الخارج لموجتها سيساهم في تسويق فكرة الحرب الشيعية السنية في العراق والتي وقتها بعض الخبراء بعد نهاية الملف السوري وان هذه الحرب تتجه مع رغبة الولايات المتحدة واسرائيل وبعض حلفائها الى تحويل الربيع العربي من ربيع ثورات ضد حكام وقادة مستبدين الى خريف حرب شعوب سنية ضد شعوب شيعية تعمل هذه الحرب على تحقيق مايلي :
١. تدمير القوة السياسية والاقتصادية لدى شعوب هذه المنطقة من خلال اشعال حروب جانبية القصد منها انهاك قوة كل من العراق وايران وسوريا .
٢. تشويه التجارب الدمقراطية والتي عبرت عنها فكرة التداول السلمي للسلطة في اكثر من بلد عربي وركون الناس فيها الى صناديق الاقتراع في التغير بدل الانقلابات بالدبابات .
٣. ان نجاح فرضية الحرب الشيعية السنية سيجعل الجميع امام خيار الاستقواء ويدعو احد الطرفين الى ركوب قطار الامريكي من خلال التعويل على فرضية ان حل مثل هذا الصدام سيقسم المقسم لا محال وسيجعل من وجود الدويلة اليهودية والدويلة الكردية والدويلة الاحوازية والدويلة القبطية والدويلة العلوية والدويلة المارونية والدويلة الارمازيغية والدويلة البوليسارية والدويلة البنغازية امرا مفروغاً منه وهو جزء من نظام الشرق الاوسط الجديد والذي لم تستطع الولايات المتحدة الامركية واسرائيل من ان تحققها بالاحتلالات او بحروبها ضد (محور الشر ) فكان من هبات السماء عليها ان تمنحها حكاما اغبياء موتورين سهلوا لها بسبب ظلمهم واستبدادهم تحقيق حلمها الذي استمر اكثر من ثلاثين عام والذي بدات منطلقاته في كتاب شمعون بيريز (نظام الشرق الاوسط الجديد) وانتهى ( بالفوضى الخلاقة) كما تقول رايس .
مخاوف انسداد الافق في حل الازمة
ان التنديد او التسويف لمطالب الجماهير او التشكيك بالمخططين لها ساهم وسيساهم في تصاعد وتيرتها , وان التعامل البطيء ساهم في تحويل المطالب الخدمية الى مطالب سياسية والمطالب الدستورية الى مطالب غير دستورية, وقد لخصت هذه القضية حجج بعض الساسة او تسويقهم لفكرة ان الحكومة الشيعية تقصي السنه ! او تهمشهم! وهذا الامر وكما لاحظنا هذه الايام ساهم في تصعيد الاصوات سواءا من المتظاهرين او من المشاركين في العملية السياسية مطالبين بتدخل الامم المتحدة اي تدويل القضية العراقية .
وهذه المطالب هي التي دفعت (ممثل الامين العام للاممم النتحده) مارتن كوبلر للسفر الى عمان يوم ٢٠/١/٢٠١٣ تحت ضغط خارجي وداخلي للتفاوض مع الجهات التي تقف وراء هذه التظاهرات من رجال دين ورجال اعمال وساسة ,ونقصد بالتفاوض مع الشيخ عبد الملك السعدي ، وحارث الضاري، وخميس خنجر، وطارق الحلبوسي ، ورافع العيساوي ، وظافر العاني ،للعمل على معرفة مطالب المتظاهرين وكذلك لمعرفة الالية التي يمكن للامم المتحدة ان تتدخل في حل هذه الازمة .
ان عدم قدرة الساسة او عدم رغبتهم في ايجاد حل للازمة قد قسم الشارع العراقي طائفيا ومجتمعيا وسياسيا وكأننا عدنا الى مربع عام ٢٠٠٦ لكن طوروحات السيد السيستاني ومقاربت السيد عمار الحكيم قد خففت من وطاة الاستقطاب في الشارع العراقي لكن مانخشى منه هو تخطيط المتربصين من السلفين والوهابين والقاعدة والذين يعملون على الزمن اي على نفاذ صبر احد الطرفين ليشعلوا من جديد الحرب الطائفية من خلال الاساليب التالية :
١. استهداف احد مراقد الائمة .
٢. اغتيال رجل دين او شخصية سياسية .
٣. نقل عمليات القتل الى بغداد .
ان تصدر بعض النواب والوزراء ورجال الدين وشيوخ القبائل من جماعة الاخوان المسلمين (الحزب الاسلامي )عقّد وسيعقد المشهد وهذه الاسماء لو وجدت لها مساحة اكبر من الدعم العربي والاقليمي سترفع لامحال شعارين لها الاول تقسيم العراق والثاني سقوط حكومة المالكي .
ان مازومية الحكومة وانفعالها وأستباقها للاحداث رفعت شعارات مقابلة منها:
- وحدة العراق .
- الطلب بانتخاب المالكي لدورة ثالثة .
وقد عبر عن هذا الامر تلويح بعض المسؤولين من المحيطين بالمالكي امثال ( عامر الخزاعي ، كمال الساعدي ، عدنان الشحماني ) والغريب في الامر ان رجلا مثل ( علي محسن العلاق ) وهو موظف في مجلس الوزراء يقول ما نصه ( ان الاستجابة الى مطالب المتظاهرين يضر بوحدة العراق ) او ماقاله ( علي اشلاه ) عضو دولة القانون الذي يقول ( ان حكومة المالكي هي الكفيلة ببقاء العراق موحدا والا فالتقسيم هو الحل الانسب ) او طورحات السيد حسن السنيد والتي يقول فيها ( ان عناد بعض المتظاهرين وعدم استجابتهم او تفاعلهم مع بعض الحلول المطروحة يجعلنا نشك في نواياهم لايجاد حل ) .
ان هذه التصريحات والتصريحات المقابلة من بعض المتشددين من قادة التظاهرات (من معمي السنة ) وبعض رجالات القوائم جعلهم يلوحون باستخدام الحل العسكري لحل الازمة والذي هو سيكون المدخل لتدويل القضية العراقية .
ان اشارات كثيرة قد ظهرت في كثير من المقالات والطروحات سواءا بوسائل الاعلام او عبر الانترنيت ذهبت الى ان الخيار الاخير المطروح لدى المتظاهرين هو اللجوء مرة اخرى الى حمل السلاح من جديد كما يقول بعض متشدديهم ضد خصم اسهل بكثير من القوات الامركية المدججة باسلحة الدمار الشامل (ويقصدون الحكومة ) .
وهذا الامر قد يلقى دعما خليجيا (سعوديا ، قطريا ) واقليميا ( تركيا) والذي سيعقد من المشكلة السياسية في العراق وسيطبق على الدولة في العراق من جهتين ( تركية كردية ) من الشمال و ( الخليجية سنية ) من الغرب وقد اكدت ما ذهبنا اليه تصريحات كل من مسعود البرزاني واحمد داود اوغلو والتي لم تجد من حل عملي للازمه القابضة على رقاب العراقين منذو شهر , والتصريح الثاني عبرت عنه القمة العربية الاخيرة في الرياض والتي المحت الى قلقها (من التدهور السياسي المتسارع في العراق ) , والتي قابلتها تصريحات ( علي اكبر ولايتي ) مستشار رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران وكذلك تصريحات علي لارجاني رئيس مجلس الشورى الايراني واللذان اكدا على ثقتهما في قدرت الحكومة العراقية على مواجهة المؤمرات التي تخطط لاستهداف الحكومة والعملية السياسية في العراق .
ان المتابع الدقيق لتطورات الاحداث السياسية (تحديدا مشهد المظاهرات منذو اكثر من شهر )يجد ان كلا الطرفين الحكومة والمعارضة قد مارس عملية ضبط النفس , فالحكومة يحسب لها صمتها هذه الايام عن سياسة التورط في التصريح والتصريح المضاد ويقابلها احترام جماهير المتظاهرين في شعراتهم لللحمة الوطنية ووحدة العراق واحترام طروحات المرجعية والطروحات السياسية الذكية من قبل السيد عمار الحكيم والسيد عادل عبد المهدي وباقر الزبيدي واحترامهم للمطالب المشروعة والتي ساهمت في ترطيب خواطر المتظاهرين .
وقد ساهمت هذه التصريحات ايضاً في تهذيب الشعارات المتظاهرين واحترمت خيار وحدة العراق ونبهت المتظاهرين الى الابتعاد عن كل ما يساهم في اشعاعة ثقافة الطائفية وجعلهم يصرون على قطع الطريق على راكبي الموجه من السلفين والوهابين والمتربصين بالعراق .
لحل الازمة , الطاولة اولا , الطاولة اخيرا
كنا قد طرحنا في تحليلات سابقة للازمة فرضية وبديهية قلنا فيها (ان الذي كان جزءا من المشكلة ليس من الممكن ان يكون جزءا من الحل ) الا اذا قدم هذا الذي كان جزءا من المشكلة مرونه وبعض التنازلات من اجل العراق هذا الامر يجعلنا امام خيار واحد لاثاني له لحل الازمة هو ( الطاولة المستديرة ) زمانا ومكانا هو الاقرب والانسب ان لم يكن هو المخرج الاخير والشكل الانسب لهذه الطاولة مراحله نلخصها بالاتي :
١. تشكيل غرفة ازمة عليا يدعى الى طاولتها كل الفرقاء السياسين ويقدم كل منهم ورقته لحل الازمة.
٢. تشكيل لجنة وزارية وبرلمانية مشتركة مخولة للاستماع لمطالب المتظاهرين وتكتب هذه المطالب وتسلم الى غرفة الازمة .
٣. الدعوة الى تشكيل لجنة من رئاسة البرلمان ورؤساء الكتل والمحكمة الدستورية العليا ومجلس القضاء لتكييف مطالب المتظاهرين قانونيا ومعالجة مايمكن حله في هذه الدورة الانتخابية وترحيل بعضها الى الدورة البرلمانية القادمة .
وبعد ان تتم اللجان عملها يمكن ان تخرج بثلاث قرارات :
أ- الاتفاق على موعد زمني للتصويت على قانون العفو العام بتعديلاته .
ب- الاتفاق على جعل عام (٢٠١٣) سنة مصالحة وطنية حقيقية يتم فيها البت في جميع ملفات قانون المسائلة والعدالة واحالتها الى القضاء .
ت- الاتفاق على ميثاق شرف يمنع فيه التحشيد السياسي الموالي والمعارض ويلتزم فيه الموقعون على مبادئ المعارضة السلمية ولابتعاد عن الشحن الطائفي .
ويمكن ان تلعب المرجعية الدينية الشيعية وعلماء الدين السنة دورا مهماً في الاعلان عن فتوى النص فيها يؤكد على ان الدم العراقي خط احمر ووحدة العراق مقدسة .