لقد كانت الجزيرة العربية قبل ولادة الرسول الأكرم (ص) مجموعة قبائل تقتل بعضها بعضا وتسرق بعضها بعضا تؤمن بقانون الغاب أي القوي سيدٌ يجب أن يحترم والضعيف عبد يجب أن يهان ، لقد وزعوا ولاأتهم ما بين الفرس والروم فسواحل الخليج واليمن بالإضافة الى العراق تنفذ أوامر كسر الفرس وبلاد الشام ولاية من ولايات قيصر الروم ، فالعبثية والتفرقة تأكل بهم وتضعفهم والإنتماء للقبيلة فوق كل إنتماء ، فإذا تقاتل فرد من قبيلة ما تنفر القبيلة بأجمعها لنصرته بدون أن تسأله عن حقيقة الإشكال فقول أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما قد تشبعوا به وأصبح من عظيم ما يعتقدون ، وأما البنات فكن من سوء حظ الرجال الذين لا يقبلون بأبوتهن بأي حال من الأحوال ، بل كانوا يرمونهن في أعمق الحفر ويضعون عليهن التراب بكل قسوة رغم صريخهن والعويل ، فكان النزاع أسهل ما يشتعل ما بين قبائل العرب فهذه حرب البسوس التي أستمرت أكثر من أربعين عام بسبب دم جمل وحرب غطفان بسبب بعير وقتل ألف فارس بسبب رغيف الحولاء وأقتتلت الأوس والخزرج عشرات السنين بسبب رباط حمار ، أما الجهل فظلامه غطى كل القفار فألأحجار تعبد والقلم ليس له مكان فمن كان يعرف القراءة والكتابة أعدادهم أقل من إصابع الإنسان ، حتى ولد سيد البشر ففي سنة ولادته فقد هزمت السماء جيش أبرهة المدعوم بالفيلة العظام ، وقد علَّم العرب قبل أن يبعث كيف يجتمعون على أمرٍ قد يكون لهم مصدر أقتتال فكان رداءه وفوقه الحجر الأسود يجمعهم للعزة سواء ، وقد أوقد في ضمائرهم حب الدفاع عن الضعيف والمظلوم فكان حلف الفضول ، والربح في التجارة ينتج من الصدق والأمانة ، وبعد البعث فقد جلب لهم كل خير وأبعدهم عن كل شر ، فكان الإنتصار للحق حتى وإن كان مع الخصماء فالأخ ينصح ولا ينصر على الباطل ، والنساء رفع عنهن العار وجعلهن في عزة وكبرياء حيث أوجب الجنة لمن يربي ثلاث من البنات وساواهن بالرجال في كل العبادات ، ووحد قبائل العرب تحت عبادة الله وجعل شعارهم لا اله إلأ الله فمن قاله حُرّم ماله ودمه وعرضه وجعلهم أخوةٌ يحب بعضهم بعضا ويرحم قويهم ضعيفهم ، حتى أصبحوا القوة التي لا تقهر في جزيرة العرب قد أتقنوا القراءة والكتابة وتوسعوا في العلوم ، وأصبحوا رجلاً واحد بعد أن كانوا رجال يقتل بعضهم بعضا ويضعف بعضهم بعضا ، فحرروا الشعوب من قبضة الشيطان ونشروا في ربوعهم العدل والإحسان ، فكانت الأخوة شعاره ومساعدة الغير أحلى عنوان والصدقة تدفع كل البلاء ، فأصبح الفقير يقف في صف واحد مع الغني في الصلاة والجائع يحس بجوعه الشبعان في صوم شهر رمضان والضعيف يستظل بسيف الشجعان ، فكيف لا نفرح بولادته وقد ملئ الدنيا بالخير والأمان .
خضير العواد