بعض المراقبين يرون ان زيارة نجاد الى مصر تعد المرحلة الأخيرة من تهشيم زجاج الجمود الذي لف العلاقات الايرانية المصرية لما يزيد على ثلاثة عقود ونيف.
ورغم ان زيارة نجاد الى مصر هي ليست زيارة رسمية بالمفهوم البروتوكولي ويعدها بعض المحللين انها تأتي رداً على زيارة الرئيس المصري محمد مرسي الى طهران في قمة عدم الانحياز التي عقدت في اب اغسطس الماضي إلا ان هذه الزيارة حملت العديد من المعاني إذ كانت مفعمة بالكثير من الرمزية المؤدية الى طريق مرتقب من التقارب بين طهران والقاهرة لاسيما في هذه المرحلة التي تعيشها المنطقة، ولعل اوضح اوجه الرمزية تلك هي زيارة الرئيس الايراني لمقام الحسين عليه السلام وسط القاهرة وكذا زار نجاد الازهر الشريف والتقى بالكثير من رموزه العلمائية المبرزة وهو امر يحاول من خلاله نجاد ان يكسر جدار من الجليد له صلة بالشد المذهبي الذي تشهده بعض البقاع الاسلامي في الظرف الراهن، حيث تتنامى داخل بعض المنتديات والاوساط المصرية الدينية والدعوية مدعيات تلفها المخاوف والهواجس من تأثير ايراني مزعوم على بعض الشيعة في مصر.. ومؤكد ان زيارة نجاد الى الازهر حملت الكثير من الرسائل التي رغب الرئيس الايراني ان يوصلها الى تلك الاوساط عبر زيارته لمشيخة الازهر الشريف ولقائه بكبار العلماء ورأس هرم الافتاء فيه. ولعل هذه المبادرة من نجاد ستعطي دفقة جديدة من الحياة الى مراكز التقريب بين المذاهب الاسلامية التي ينتابها الجمود منذ فترة ليست بالوجيزة. ورغم كل تلك الرمزية فإن زيارة نجاد كانت تحمل بعداً أكثر عمقاً لاسيما فيما يتعلق في نقاط الافتراق الإيرانية والمصرية إزاء التعاطي مع ملف الازمة السورية.. فطهران تعتبر موضوعة دعم سورية والدفع بها صوب ضفة الحلحلة السلمية والحيلولة دون انهيار سوريا أمراً مصيرياً.. لاسيما وان سوريا تعتبر القلعة الرئيسة والجبهة المتقدمة في دول الممانعة التي تتبنى منهجية المقاومة ضد اسرائيل.. كما ان المجهود الايراني كان يشدد على حتمية ان لا يقود التدخل الدولي في الملف السوري الى تغليب الحلول العسكرية لإسقاط الحكومة السورية وانهيار البلاد بالكامل.. على اية حال.. ووفق رؤية العديد من المحللين فإن التقارب الإيراني المصري في خريف الازمات الذي تعيشه بلدان المنطقة التي تركت وراءه ربيعها العربي... سوف يعني الكثير لبلدان المنطقة لاسيما في السياسية الخارجية.. فإيران التي تخوض غمار المنافحة عن برنامجها النووي السلمي قبال استقتال إميركي غربي لإجهاضه.. ووسط حصارات إقتصادية عالمية متوالية تمارس ضدها أثرت في بعض جوانبها على إلإقتصاديات المحلية.. تجد في تقاربها من مصر التي تعيش إرهاصات إستعادتها لدورها في ريادة العالم العربي فرصة مثلى لترسيخ دورها الاقليمي الشرق اوسطي بمقابل منهجيات (الفوضى) التي تسميها اميركا بـ(الخلاقة) والتي سعت من وراء تغليبها في الشرق الاوسط تمرير اجنداتها وترسيخ فرص استثمار وتنمية مصالحها في المنطقة على الرغم من اختلاف اوجه مسلكيات وخطوات التنجيز بين مرحلة الرئيس الاميركي باراك اوبما وسلفه بوش. وإذا ما حقق التقارب الإيراني المصري مراحل متقدمة في توطيد العلاقات بين البلدين فدون شك أن السياسية الخارجية للعاصمتين ستنشئ منصة حراك إقليمي شرق اوسطي لا يمكن للسياسية الاميركية والغربية ان تتخطاه، ودون ريب ان منصة توافق مصري ايراني إزاء قضايا المنطقة والشرق الاوسط ستفرض فضاء من التأثير الاقليمية على عواصم عدة - لاسيما تلك التي تدور في الفلك الاميركي في الخليج- لتعيد حساباتها مراراً قبل اتخاذها لإية خطوة أو فاعلية تتقاطع والمبتنى الجديد الذي سيفرزه هذا التقارب الايراني المصري. ويرى بعض المراقبين ان اي تلاقح إيجابي ما بين السياسية الخارجية الإيرانية (التي يشبهها البعض بالمفاعل النووي للحراك الشرق اوسطي هذه الايام) وبين السياسية الخارجية المصرية سوف يثمر عن مراجعة الكثير من العواصم الاقليمية لسياساتها الاقليمية وقولبتها بصور جديدة لا تتخطى او تصطدم مع التركيبة الجديدة التي سيفرزها التقارب المصري الايراني ولكن بما لايعني فرض أي نوع من الجور على تلك العواصم الاقليمية بل تأسيس لما يمكن تسميته نوع من الانعتاق من غمام التسيد الاميركية الغربية التي كانت تحرك العديد من العواصم في سياساتها الخارجية إزاء ملفات المنطقة الحيوية والمصيرية.