التاريخ وحياتنا اليومية مليئان بالتجارب والعبر التي تساعد على جعل الطريق أكثر وضوحاً للسالكين ، والإنسان الناجح يجب أن يتعض من هذه التجارب ويتخذها درساً يأخذ منه الحيطة والحذر حتى لا يقع في المطبات التي سقط فيها أصحاب تلك التجارب ومثالاً يحتذى به ويسلكه في حالات النجاح والتفوق ، ومن هذه التجارب المهمة التي يجب أن يتخذها كل سياسي وطني في العراق عبرة ويتفكر فيها دائماً العفو الذي أطلقه عبد الكريم قاسم على أصحاب الإنقلاب الفاشل بقيادة عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وأطلق كلمته المعروفة العفو عما سلف وكانت النتيجة الإنقلاب عليه مرة ثانية وقتله من قبل نفس الأشخاص الذين عفى عنهم ، تجربة عبد الرحمن عارف وبسبب ضعفه التي أستغلها البعثيون فانقلبوا عليه وسيطروا على الحكم الذي دفع ضريبته العراقيون لعشرات السنين ، وهذه التجربة اللبنانية التي بنيت على التوافقات الطائفية وأصبحت من أفشل التجارب الحكومية لأنها معرضة للإزمات في كل لحظة بسبب إعتمادها على التحالفات التي تحرك خيوطها من الخارج ، وفي المقابل فالتجارب الأوربية وكذلك الأسيوية وحتى بعض الدول الأفريقية والأمريكية الجنوبية لها تجارب ناجحة في الحكم وسبب هذا النجاح هو أعتمادها على الدستور والقانون وبعيدة كل البعد عن التوافقات التي لم يذكرها الدستور والجميع أمام القانون سواسية من رئيس الدولة الى أصغر موظف ، والحكومة تحترم جميع مكونات الشعب وطوائفه لأنها تعتمد في حكمها على مبدأ حق المواطنة وهو الأساس في التعامل وليس الطائفة أو الدين ، فأستقرت ونجحت وتقدمت وأسعدت شعوبها وأبتعدت عن الإزمات المصطنعة التي تغذيها التدخلات الخارجية ، أما الحكومة العراقية منذ اللحظة الأولى لم تجعل مبدأ حق المواطنة القاعدة التي تستند عليها في الحكم ، بسبب الضغوط الخارجية التي واجهت التغير الكبير الذي حدث في العراق ، لهذا حاولت هذه الحكومة والقيادات المتصدية جميعها الدينية والسياسية والإجتماعية أن تسترضي المكون السني وتقربه قدر الإمكان ، وبالمقابل فأن قيادات هذا المكوّن توغلت بالطلبات ورفض الواقع الذي فرضته قوانين النظام الديمقراطية الجديد ، فتكونت حكومة توافقية لا هي طائفية ولا هي قومية حتى أصبحت الأغلبية فيها هي الأقلية ، وأستمرت لعبة الطائفية التي لعبتها الحكومات المعادية للعملية السياسية وخصوصاً مثلث الشر المتمثل بتركيا وقطر والسعودية وتمثلها في الداخل أغلب قيادات القائمة العراقية ، ونجحت هذه اللعبة بسبب تخوف القيادات الشيعية من لصق تهمة الطائفية بهم ، وهكذا أستمر الإبتزاز حتى وصل الأمر الى المقدسات الشيعية وما يدخل إليها من تبرعات ونذورات لكي يقسموها على المقدسات السنية حيث صرح الشيخ الناصري بأن وزير المالية أصر على إعطاء نصف تبرعات والنذور التي تقدم للكاظميين عليهم السلام الى أبي حنيفة ووافقنا على هذا من أجل تسهيل الأمر ، أيُ أمر سُهل ؟؟؟؟ وهل سُهل الأمر يا شيخ الناصري ؟؟؟؟ وهل من حقكم التصرف بهذه الأموال الشرعية ياشيخ ؟؟؟؟ فهذه الإزمات تخض العراق في كل لحظة والقيادات السنية تتكلم بصوت جريء ولا يعيرون أي أهمية للوطن والمواطن والحكومة عاجزة لا تقدر أن تفعل شيء ، فهذه المظاهرات المستمرة منذ شهرين في المنطقة الغربية والتي ترفع الشعارات الطائفية والمعادية للعملية السياسية بل تهدد أي موظف حكومي يتواجد على أراضي المنطقة الغربية والحكومة تهدئ وتنفذ جميع مطالب المتظاهرين التي تقع تحت صلاحياتها ، ولم تستطع الحكومة إيقاف المظاهرات بالرغم من تنفيذها لأغلب المطالب ولم تستطع أن تلقي القبض على مثيري الطائفية والإرهاب ، وهذا جميعه بسبب سياسية الإسترضاء التي تنتهجها القيادات السياسية وكذلك الحكومة للمكوّن السني ، فكانت الحكومة القاسمية نموذجها في العفو فكان السقوط حليفها والنموذج اللبناني في التوافقية فكان التعطيل والتأخيرسياستها ، ولم تتخذ حق المواطنة وقوة القانون السبيل الوحيد في قيادة الساحة كالنموذج الأوربي والأسيوي الناجحين ، لهذا فالتخوف من الطائفية والإستسلام للإبتزاز سيدفع العراق الى المتاهات ومن ثم عودة سيطرة الأقلية على مقاليد الحكم ، ومن كل هذه التجربة فأن طريقة الإسترضاء لم تأتي للعراق إلا بالويلات والإزمات وخسارة الأغلبية لحقوقها المشروعة ، لهذا يجب التوجه وبشكل قوي الى حق المواطنة ورفض كل صوت نشاز يتباكى على حق الطائفة وإخضاع كل شخص ينتهك القانون ويهدد حياة المواطنين الى القضاء العادل بدون أي تخوف أو قلق من الإنتهازيين الطائفيين ، لأنهم في جميع الأحوال سيصرخون من أجل الإبتزاز وعودتهم الى سدة الحكم ، ولكنهم سيصمتون ويختفون من ساحات السياسة إذا وجدوا هيبة الدولة قد عادت والقانون يلاحق من ينتهكه وطريقة الإسترضاء قد رُفضت لفشلها وعدم فعاليتها في عودة الأمن والأمان للعراق والعراقيين .
خضير العواد