من المؤكد ان انتخابات مجالس المحافظات ستكون محطة أولى مهمة لمعرفة حجم الكيانات السياسية التي ستتشخص على سطح المعادلة السياسية الحاكمة في الفسيفساء العراقية، ودون شك ان عصف الازمات السياسية القائمة حالياً سيسهم في جغرافية ذلك التشخص وبما ستفرزه العملية الانتخابية على صعيد الكيانات الخدمية المتمثلة بمجالس المحافظات العراقية.. على الرغم من استبعاد بعض المحافظات بينها محافظات اقليم كردستان وكركوك، والتي قد تنضم اليها بعض المحافظات الغربية إذا ما صارت الإرادات المحلية فيها الى خيار تأجيل الانتخابات الحالية لطبيعة الظرف السياسي الذي تعيشه بفعل ازمة التظاهرات القائمة.
ولعل الامر الآخر الذي سيؤثر على سطح التشخص في جغرافية فاعلية انتخابات مجالس المحافظات هو الواقع الفعلي الذي تعيشه المحافظات وحجوم المشاكل العويصة والمستويات الكبيرة من التردي الخدمي والمعيشي الذي يعانيه السكان فيها لاسيما في محافظات الوسط والجنوب.. نظراً لتفاقم حجوم البطالة وانعدام الخدمات وقلة الطاقة الكهربائية وقلة المياه الصالحة للشرب وانهيار منظومات الصرف الصحي المعيارية - بل المقبولة حتى- وتراجع مستوى الخدمات الصحية للمواطنين فضلا عن استمرار تدهور الواقع الزراعي والصناعي ناهيك عن استفحال ازمة السكن المتزامنة مع انخفاض المستوى المعاشي للمواطنين. وإزاء تشخيص وإحاطة كهذه للواقع المزري الذي تعيشه العديد من محافظات البلاد.. يؤشر المراقبون ان انتخابات مجالس المحافظات يفترض انها ستفرز مشهداً بعيداً عن استحقاقات المرحلة المنصرمة التي تحكمت فيها إشتراطات التوافقية والمحاصصة والحزبية والكتلية.. حيث بات من المرجح ان يلجأ المواطنون الى تحكيم العناصر المرتبطة بتحقيق مصالحهم وتلبية متطلباتهم المعيشية والحياتية لاسيما في ما يتعلق بالجوانب الخدمية والصحية والتربوية.
وبقراءة متأنية فسوف يعمد الناس الى تقديم وإبراز العناصر التي تتمتع بمستويات تأثير واضحة على سطح الفعل التنفيذي في مجالس المحافظات بحيث تقود الى تغيير المعادلات الحالية الحاكمة في مجالس المحافظات، حيث يفترض ان يجهد الناخبون في توجيه دفة الانتخابات نحو معايير الكفاءة والاكاديمية والتخصص وتغليب عوامل التكنوقراط وضمان خصال التحلي بالنزاهة في مقابل تراجع المؤثرات والضغوط السابقة كالمحسوبية والتوافقية والاشتراطية الحزبية ومن قبلها الطائفية والقبائلية وهو أمر ينبغي ان يلتفت اليه الناخب إذا ما أراد إحداث تغيير واقعي في سياق حياته نحو الاحسن.
من هنا.. يتحتم على المواطن أن يعي ويدرك ويستنفر كل طاقاته الادراكية في تشخيص عوامل الضغط الاعلامي والبصري المسلط عليه من خلال ملصقات ومؤثرات الحملات الدعائية المكثفة خلال الموسم الانتخابي الحالي والتي تعمد فيها بعض الجهات والتكتلات السياسية للتأثير على خيارات الناخبين بوحي ديماغوجي سياسي بحت أو بضاغط فوبيا الطائفية.. او باعتماد إجترار شعارات بان خواؤها في تجارب انتخابية سابقة
وبذا فيتوجب على الناخب ان يتمتع بالحصافة الكافية لتحديد ماهية الجهات التي ستكون مؤهلة بان تقود عملية التغيير التي يرومها والتي يبغي احداث تغييرات حقيقية فيها على صعيد الحياة العملية في مجالس المحافظات.. والتي يفترض انها مجالس خدمية بحتة وليست سياسية بإطارها العام.. وهذا يقتضي دون شك ان ينصب اختيار الناس في رجال الخدمات لا رجال السياسة او المستظلين برموز السياسة.. فمدار الانتخابات الراهنة هو مدار خدمي لا سياسي.. واهل الخدمة هم الذين ينبغي ان يتبوأوا مواضع ومقاعد ومناصب الخدمات التي تمثلها مجالس المحافظات.. وبغير ذلك الاختيار فسوف يكرر المواطنون ذات التجارب الخاطئة السابقة.. وسنشاهد ذات الوجوه او نظائرها بعد انتهاء مخاض الانتخابات.. واللبيب من الاشارة يفهم..